السباق قد اشتد والجنة تزينت لمن جد ، فلنشمر عن ساعد الجد وليكن شعارنا في هذه الأيام لن يسبقني إلى الله أحد.

إن الخيل الأصيلة في السباق إذا قاربت الوصول جدت فى المسير وها هو نهاية السباق اقتربت وأعظم ساعاته أوشكت فالهمة الهمة والعزيمة العزيمة والجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة، لعلها تكون الأعظم فى حياتك وحياة من تدعو له ولعلها المنجية لك ومن تحب من النار.

قال ‏ابن الجوزي رحمه الله: “وينبغي أن يكون الاجتهاد في أواخر الشهر أكثر مِنْ أوله لشيئين: أحدهما: لشرف هذا العشر وطلب ليلة القدر، والثاني: لوداع شهرٍ لا يدرى هل يلقى مثله أم لا”. التبصرة لابن الجوزي ٤٩٣/٢.

ووردت فضائل كثيرة في ليلة القدر منها: أنها أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن الكريم، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر أي: تساوي عبادة أكثر من ثلاث وثمانين عاماً ، وأنها مباركة وتتنزل فيها الملائكة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، ويغفر الله لمن قامها إيماناً واحتساباً ، قال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه). متفق عليه.
وقد أمر رسول الأمة صلى الله عليه وسلم أمته بتحريها في ليالي العشر الأواخر من رمضان وليالي الوتر أرجى.

قال المحدث ابن حجر رحمه الله: قوله أي: الإمام البخاري: باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر: في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ، ثم في العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره ، لا في ليلة منه بعينها ، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها. فتح الباري ٢٦٠/٤.

وقال رحمه الله قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة. فتح الباري (٢٦٦/٤).

وقد كان النبي ﷺ يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها، كان النبي ﷺ: يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها.

وقالت: (كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدَّ المئزر)، وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبًا، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). [الأحزاب:31].

وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله: (إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).

وكان أصحاب النبي ﷺ ، ومن بعدهم من التابعين، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: “لو كانت ليلة القدر بالسنة ليلة واحدة، لقمت السنة حتى أدركها فما بالك بعشر ليال فقط”.

وقال العلامة صالح الفوزان: “من كان مفرطاً في الأيام الماضية فليحسن في بقية هذا الشهر والأعمال بالخواتيم”.

وليلة القدر ليلةٌ واحدة فاقَت في الخيريَّة ألفَ شهر كاملًا ؛ فالعِبرة ليست بطول الأعمار ، ولكن بالبركة وحُسن الأعمال ، وهي ليلة لا ينشغل عنها أحدٌ بغير واجب إلا مغبون محروم.

‏اللهم بلغنا ليلة القدر ولا تحرمنا نورها وبركتها وأجرها ، واجعل لنا دعوة لا ترد ، وأجعلنا فيها من عتقائك من النار ، اللّهم إنك عفوٌ كريم تُحبّ العفو فأعفُ عنا وعن والدينا وكل من نحب وجميع المسلمين.