الأيام دُول، والأحوال تتبدل، والعصور تتغير، ولكل زمان رجالاته.

فما كان أصل وأصول بالأمس!، بات فرع أو بالأصح أختفى ولم يعد له وجود اليوم، سواء مبادئ، أو قيم، أو حتى مقولات وحكم كانت في يوم ما ( ترند – Trend ) في حُقبة من الزمان.

فلكل زمان حكيم، ولكل مكان فيلسوف، ولكل عصر حكمة يتبعها الناس حسب أحوالهم التي يعيشونها.

يقول أفلاطون أحد أشهر فلاسفة اليونان قديمًا مقولة أستاذه سقراط (تكلم حتى أراك)!

إذ يُعرف عن الفيلسوف سقراط أنّه حين يختال أمامه شخص أنيق المظهر والملبس، متباهيًا بمظهره ولباسه كي يجذب انتباهه وانتباه من حوله، حتى يقول له سقراط مقولته الشهيرة: “تكلّم حتّى أراك”. ففي ذلك الزمان كان سقراط يؤمن أن الكلام واجهة العقل ودليل مكنونه وعمق صاحبه، حيث يُعرف المرء من كلامه.

وقد أكد ذلك الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في عصره قائلًا: “تكلّموا تُعرفوا، فإنّ المرء مخبوءٌ تحت لسانه” .

أما اليوم مع التفجر المعلوماتي، والشبكة العنكبوتية، ومع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي، والبثوث المُباشرة، والمساحات أنتقلت الحوارت السقراطية من المواجهة إلى المقابلة من ما وراء حجاب!.

فظهر الكثير من المُتفلسفين، المُفلسين، الناقلين عن ومِن! لا من دواخلهم، ولا من بنات أفكارهم، ولا من إيمناياتهم أو توجهاتهم، مُجرد ببغاوات ناقلة حتى أزدحمت الساحة.

فأصبح للرُويبضة مكانًا، ومكانة، وأصبح لهم جيش من الذُباب الإلكتروني والذي لا يُستهان به، فتحولت الساحات والمساحات من منابر علم، ومعرفة، وتبادل أفكار، وآراء إلى مساحات للجدالات البيزنطية، وتبادل الشتائم، والقذف، والتشكيك في توجهات فلان، وفي شرف فلانة.

ولتصيد الأخطاء، وللتسجيل والنشر والتشهير، ولدب الرُعب في قلوب كل إنسان شريف صاحب توجه واضح ومُتفرد، وفكر مُستنير.

فما أراه اليوم من أفعال شنيعة وإرهاب إلكتروني، وتشهير ضد كل شخص مُختلف على وسائل التواصل الإجتماعي، وتصوير وتسجيل للمساحات ما هي إلا ترجمة لما يكنونه داخلهم من فكر أسود حقود، ومُختل، وينم عن أنفس جل ما أستطيع أن أقوله بأنها خبيثة، وعكس ما تهرطق به ألسنتهم قائلة Bla Bla Bla، فما ينطقون به مجرد كلام، على قول المثل المكاوي البسيط (الكلام ببلاش، وأبو بلاش كثر منو).

نعم، فاليوم لم يعد لمقولة سقراط (تكلم حتى أراك)! أثر فعال لمعرفة وإستكشاف الشخص من خلال كلامه في عصرنا هذا!