هي معركة من أبرز المعارك في التاريخ الإسلامي وقعت يوم 25 رمضان لعام 658 هـ الموافق 3 سبتمبر 1260م بين جيش المماليك بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز وجيش المغول الذي كان يقوده في الأساس هولاكو (حفيد جنكيز خان) ثم نائبه كتبغا نويان الذي قاد الجيش في منطقة عين جالوت بين مدينتي نابلس وبيسان في فلسطين، وهي المعركة الأولى التي تلقى فيها جيش المغول خسارة فادحة كانت بداية لإعادة توحيد العالم الإسلامي وتنظيم صفوفه من جديد تحت راية الدولة المملوكية وتحرير بلاد الشام من أطماع المغول.

القائد المسلم سيف الدين قطز وقائد معركة عين جالوت والعقل المُدبِّر لها هو محمود بن ممدود بن خوارزم شاه، وُلِدَ في 02/11/1221م ببلاد ما وراء النهرين وهو ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم أخر سلاطين الدولة الخوارزمية التي كانت تحكم آسيا الوسطى وغرب إيران وانهارت عام 1231م وأخْتُطِفَ سيف الدين في ذلك العام على يد المغول وهو طفل من أجل بيعه كبقية الأطفال في سوق العبيد بالشام، وأنتهى به الأمر عند عز الدين أيبك أحد أمراء المماليك بمصر فقام بتعليمه اللغة العربية والقرآن والفقه الإسلامي وفنون الحرب والمهارات القتالية والقيادة حتى أصبح قائداً لجند أيبك ثم قائداً للجيوش بعد أن أعتلى عز الدين أيبك عرش الدولة المملوكية ثم نائباً للسلطنة، وتولى الملك عام 657هـ الموافق 1259م ويلقب بقاهر المغول.

لكل معركة أسباب وكان السبب الرئيس لهذه المعركة هو حالة الضعف والهوان والانكسار الذي عايشته أكثر الدول الإسلامية في ذلك الزمان عقب الغزو المكثف من جيوش المغول بزعامة جنكيز خان الممتد من الشرق للغرب مما أدى لسقوط العديد من الدول الإسلامية وسفك دماء كثيرا من المسلمين، ومَهَّد ذلك لجيوش المغول الاتجاه غربا لإسقاط الدولة العباسية بالعراق بعد اجتياح الأراضي الإيرانية، فخرج هولاكو بجيش ضخم يقدر بـ 150 ألف جندي عام 1258م متجها للعراق واستمروا في محاصرتها 12 يوماً حتى تم الاستسلام نظراً لعدم تكافؤ الجيشان، ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا الكثير من المسلمين وسكان بغداد وعلى رأسهم الخليفة المستعصم بالله وأضرموا فيها النيران وهدموا مكتباتها لطمس هويتها ومعالمها الإسلامية والعمرانية، ولم تكن الشام التي كانت تحت حكم الأيوبيين أفضل حالاً من العراق، بسبب الاختلاف بين الأخوة الأيوبيين في الأسرة، الذي أدى إلى اعلان الناصر يوسف الأيوبي حاكم دمشق وحلب خضوعه للمغول بل وطالب بمساعدتهم للاستيلاء على مصر وإسقاط دولة المماليك التي كانت تعيش صراعات داخلية قوية واضطرابات بسبب صعود الطفل المنصور نور الدين للعرش بعد مقتل السلطان، فقرر سيف الدين قطز عزل السلطان الصغير المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك والتربع على عرش الدولة المملوكية لمحاربة المغول ووقف اجتياحهم للدول الإسلامية وأيَّدَه الأمراء والقادة العسكريين والعلماء في مصر لمعرفتهم بحاجة الدولة لسلطان قوي ومُحنَّك قادر على إيقاف خطر المغول ومنعهم من دخولهم مصر، وَوَعَدهم قطز بأن يمنحهم الحق في تعيين من يرونه مناسبا للحكم بدلا عنه فور الانتصار على المغول، وهو ما تحقق له في معركة عين جالوت.

بعد وفاة خان المغول مونكو خان شقيق هولاكو اضطر هولاكو للعودة لمنغوليا مع أغلب أفراد الجيش وقام بتعيين كتبغا نويان نائبا له الذي سيطر على جميع المدن الفلسطينية عدا التابعة للصليبيين، فأعد قطز جيشه لمواجهة المغول رغم الأزمة الاقتصادية التي كانت تمرُّ بها الدولة جراء الحروب، فباع كل ما يملك لتجهيز الجيش وأمَرَ الأمراء والوزراء أن يفعلوا مثله ففعلوا ذلك وتمت تغطية بقية التكاليف من فرض دينار على كل رأس من أهل مصر وأخذ الزكاة مقدما، وعمل على تقوية الصفوف الداخلية واستتباب الأمن وعودة الهدوء إلى مصر، ونجح بإصدار عفو عام لأعضاء قوات المماليك البحرية الهاربين للشام بعد مقتل فارس أقطاي زعيم المماليك البحرية، وساهم ذلك في عودة جيش من الخبرات الكبيرة للدولة المملوكية وأولهم الظاهر بيبرس أحد كبار قادة المماليك ورابع سلاطينها الذي ساهم في هزيمة المغول في المعركة، وألقى قطز كلمة الشهيرة والمُؤثرة على قادته المتردِّدِين في الحرب “يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزو كارهون، أنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وأن الله مُطَّلع عليه وخطيئته حريم المسلمين في رقاب المتأخرين” ثم وقف يبكي وقال “يا أمراء المسلمين، من للإسلام إن لم نكن نحن” فأيَّدُوا قرار الحرب.

قرر بعدها سيف الدين قطز مواجهة المغول خارج مصر وبالتحديد في فلسطين وكان عليه المرور بأراضي الصليبيين في الشام فأبرم معاهدة سلام مؤقته معهم لمرور جيش المسلمين على بعض أراضيهم ومَد المسلمين ببعض المؤن والطعام مقابل الاستفادة من الغنائم في حالة النصر، وبدأ بقطع رؤوس جميع سفراء هولاكو الذين حملوا رسالة التهديد له ونادى بالجهاد في كل الديار المصرية، فقام كتبغا نويان بقيادة جيش يقدر بـنحو 20 ألف جندي بعد تلقي الأوامر من هولاكو إلى منطقة عين جالوت، وكان لخطة قطز الحكيمة في إخفاء القوات الرئيسية لجيشه خلف التلال بعين جالوت وإظهار مقدمة الجيش فقط التي قادها الأمير بيبرس بالغ الأثر في التمويه على المغول فأعتقد نويان أنه جيش المسلمين وأمرهم بالتقدم لحسم المعركة، وهنا تقدم سيف الدين قطز بأعلى صوته “وإسلاماه .. وإسلاماه ” يقود قواته المخفية من الميمنة والميسرة والقلب وهجموا على جيش المغول، فزاد وجود السلطان قطز معهم في ساحة المعركة من حماس جيش المسلمين بعد أن ألقى بخوذته على الأرض ورفع معنوياتهم وقوّى عزائمهم وأشتد القتال وعلت الأصوات بالتكبير فأنهار المغول وبدأوا الفرار بعد مقتل قائدهم كتبغا نويان على يد القائد المسلم الشجاع جمال الدين آقوش الشمسي، وأنقذ القائد المُحنَّك سيف الدين قطز بفضل الله أولاً ثم بفضل قادته المسلمين كافة العالم الإسلامي من خطر اجتياح المغول ورغبتهم في القضاء على الإسلام وتحرير بلاد الشام وتطهيرها من سيطرة المغول وإعادة الأمن والاستقرار لها.