دندنت هواجسه حتى انسابت من فؤاده ونزّت إلى شفتيه وأنشد :

وله قد صاب قلبي فغذا في تيهٍ غير معتبرِ

يُناظر عبرتي الحرّى على القدِ بخجلٍ وهي تنتحرِ

فيحبو فوق هام سحبي بوردٍ على الغيم ولامطرِ

فنشوة قد استوعبت كل عجيج الحياة بأنينها وشوكها وسماء فرحها تبخترت حتى حبت بهيامٍ فوق الثريّا لذلك الشجن الباذخ الذي كانت تتزينه بين جنباتها فقد حاولت بإستحياء أن تُواريه بين أحضان عينيها التي كانت في حيرةٍ من أمرها حيث كانت ترضخ لذلك الشعاع الذي كان يبرق من زوايا عديدة نحوها وحولها ..

وفي المقابل كانت الشمس تسطع فوق قمة ذلك الكهف بشوق وتبدو حزينة في ابتسامتها وهي تدور بشغف لتقابل ذلك الأمل الدافء بقشور باردة..

لم يتسرّب ذلك الدفء بعمق ولم يتمالك حياءها نفسه فارتمى ذلك الغصن البان على حديقة من مرمر حتى كادت أن تتلاشى فيه ..

كانت ترمقه فقط من خلال تلك الحيرة التي انسابت وبشكل عفوي على أجمل مافي صفحة وجهها المستدير ..

تُرى هل كانت تبحث عما كان يبحث عنه هو داخل سراديب الغياب؟ أم ياترى هو شوقٌ فطري نابع من أطراف النسيان ليتابع ماقد يتلمس بالصدفه من حنان مفقود! في تلك اللحظة كانت مُتعبة ومنكسرة ولكنها فرحة فقد ترددت كثيراً لتُفصح عن ما قد كان يعتري تلك الحيرة التي أبت إلا أن تنازع وجه الحقيقة بدون رتوش أو إضافات! خرجت من دائرة جسمها وهي تنظر إلى ذلك النور الأصفر القادم إليها من غير موعد لتفتح في بؤبؤة عينيه جرحها الفرح ..

خرجت مرة أخرى بإرتعاشات حول معصمها وكانت تريد أن تسكب في أذنيه لتسرد للغامض القادم إليها من خلف مراكن الحرمان الخريفية أو ربما ذلك الفار إليها في ليلة شتوية رومانية قارسة بأقدام ثابتة من أمام تلك الموانىء البعيدة المنكسرة بأن حزنها يراودها حيناً بشغفٍ وحيناً يشيخ منه النبض والوترِ .

ومع ذلك كانت رجفاتها شبه طبيعية لمحتها مخيلته ربما قديمة في مدها وجزرها حيث كانت تلك المضارب المرمرية تلفها ببرد الوجل والسكينة انصهرت بين حنايا السكون في ظل هدوءها الساكن من خلال شلال ضوء تدفق من عينيها التي أبت خضرتها إلا أن تنهمر بنحيب جاهش متدفق وارتعادات رطيبة على مشارف الشفق..

ضحكت كثيراً مما كانت فيه وهي كذلك كانت كل مسامات انفعالاتها تذوب برفق داخل ماكان يسبب لها ذلك التوجس الكبير..

كان فرحاً بما ملك من عواطف في ظل تلك الهَدْأَة العاشقة والتي لملمت خشيتها حيث كانت فرحتها أكبر من حيرتها البريئة القادرة على أن تعطي كل شيء بلا حدود كيف لا وحنانها الطبيعي واردٌ إليه وهو بعد متكىء على شرفات الفجر..

متكىء ووقته يرشح بالحياة فهل ذاب عنه رماد العمر؟ وهل الشمس سوف يسيل صمتها على قارعة النسيان؟ أخذت ترانيمه تُدغدغ مشاعره وصدح مرة أخرى : دروبي أتعبها توهج الظل.. أطفأها غرور المد خائفةٌ من صهيل الركض في غرسي ..

هلمي باتكاءة ضوء تسامرني تعيد رؤى شمسي .. ولاتكوني أول الصمتِ فحنجرتي دُقَّت الأجراس فيها ولا جرسِ… جئتكِ حاملاً في يدي وردي وفي يديكِ أرى رقصات عُرسي !!!