لا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يقوم ويتطور ويستمر الا من خلال المحافظة على النسق الأسري في المجتمع من جميع ما يعترى هذا النسق من تدخلات تعيقُه عن إداء دوره بشكل الذي يضمن بقاء الأسرة في وظيفتها الاساسية كجزء من البناء الاجتماعي للمجتمع .

ان المشاهدة العلمية في البناء الاجتماعي والذي يندرج في سقفه البناء الأسري هو بناء لتنظيم الحياة الاجتماعية في جميع وحداته ومكوناته التي يتكون منها هذا النظام وبرغم أن هذا النظام كان في السابق يؤدي دورها ويقوم عليه المجتمع ويطبق نظامه وقوانينه التي ربما تكون صارمة في تعديل السلوك لكل وحدة من وحدات الأسرة وبهذا الشكل التنظيمي حافظ هذا النظام في القدم على تماسك وديمومة الأسرة من جميع الملوثات الاجتماعية التي تسعى لهدم أو تقليص دور البناء الأسري في تزويد المجتمع بأعضاء جدد يساهمون في بناء مجتمع ما .

ولهذا فإنه لكل نظام اجتماعي “ضد” يسعى لتقليص دور هذا النظام في المجتمع من خلال عمل هذا النظام في اصغر وحدة من وحداته “الفرد” وصولاً إلى اكبر وحدة من وحدات هذا النظام “النسق” ونرى في موضع الحال أن البناء الأسري اصبح متفكك ومهترى نتيجة دخول الملوثات الاجتماعية وتكلسها على وحدات هذا النظام بشكل جلي وواضح وسعت هذه الملوثات إلى أبطال عمل البناء الأسري في المجتمع في جوانب كثيرة مما جعل هذا البناء لا يؤدي دوره كما هو مطلوب ويعيق الأسرة في إداء وظائفها الأساسية والمنوطة بها .

نرى في الملاحظة العامة لدور الأسرة في المجتمع أنه اصبح دور صوري ليس له قوة فعالة وسيادية على افرادها بسبب وجود ملوثات اجتماعية جعلت الأسرة في دورها المنشود في حالة تهميش وتغييب عن وحداتها المكونة لها في البناء والوظيفة والدور ولهذا الأسرة في نظامها المكون لها في طريقها لضعف وفقدان اهم وظائفها لعدة أسباب منها :

– تحول الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسرة نواة : وهذا جعل هناك انفصال تام في علاقات القرابة من الدرجة الآولى وتلاشت اوصار الربط القرابي بين وحدات الأسرة الواحدة وهذا افقد الأسرة الكثير من المعرفة في إدارة شؤون الأسرة والحفاظ عليها من التفكك .

– الملوثات اجتماعية : ومنها ” وسائل التواصل الاجتماعي – الانترانت – الافكار المستوردة لغير مرغوب فيها في المجتمع – الانفتاح لغير مقنن على الثقافات الآخرى ” دخول هذه الملوثات في البناء الأسري أدى إلى تمرد وحدات الأسرة عليها وبالتالي فقدت الأسرة وظيفة الضبط الاجتماعي لسلوك وحداتها .

– الوظيفة الاقتصادية للأسرة : كلما وفرت الأسرة حياة كريمة لوحداتها كلما أصبحت تزود المجتمع بأعضاء جدد لهم فعالية وأعطاء للمجتمع وأذا ضعفت الأسرة في القيام بهذه الوظيفة نتج عن ذلك السلوك المنحرف لوحدات الأسرة ” مرافقة أصدقاء سوء – السرقة – التجارة الغير مشروعة ” وهذا السلوك المنحرف يلجئ إليه الفرد إذا ضعفت الاسرة بالقيام بوظيفتها الاقتصادية ولكى يشبع احتياجاته التي فشلت الأسرة في إشبعها .

– الوظيفة التربوية : وقد فشلت الأسرة بالقيام بهذه الوظيفة في ظل ضغط الحياة الاجتماعية المتزايد وظهور سلوكيات جديدة غير مرغوب فيها ولم تتعامل الأسرة في الوقوف لهذه السلوكيات لتوجيه أفرداها إلى التعامل الصحيح مع هذه السلوكيات التي تعتبر هي المشكل الرئيسي في خروج وظيفة التربية من يد الأسرة إلى يد الملوثات الاجتماعية .

– التمرد على البناء الاسري: من المفترض أن وحدات الأسرة تعيش وفقاً لنظام الأسرة ولكن مع الانفتاح المستمر على ثقافات آخرى تمردت وحدات الأسرة على البناء الأسري وأصبحت السلطة الأسرية مجرد حبر على ورق وهذا ماجعل وحدات الاسرة تبنى نمط معيشتها واسلوبها في الحياة الاجتماعية وفق مايستجد من خارج بناء الأسرة في ظل ضعف السلطة الأسرية على وحداتها .

ولكن السؤال هنا ماهو الحل في لملمت ما تبقى من البناء الأسري وبناءه من جديد ومن أجل صناعة هذه البناء بشكل متامسك و قوي يواجه كل التحديات والملوثات الاجتماعية التي تعيق إداء دوره في المجتمع وتعيد للأسرة مكانتها ووظائفها الحقيقية التي فقداتها, وفي نظري يكمن الحل في التالي :

– أنشاء مؤسسات مجتمعية تعنى بالاهتمام بدور ووظائف الأسرة ونشر ثقافة التماسك الأسري في المجتمع وكذلك تعمل على إعادة اصلاح أي فرد من افراد الأسرة من خلال برامج تأهيل واصلاح وبالتالي يعود عضواً مفيد في الأسرة ويلتزم بنظام هذا البناء الأسري للمحافظة على تماسكة وديموميته.

– نشر ثقافة التماسك الأسري في المناهج التعليمية والتربوية لزرع هذه الثقافة منذ الصغر في النشئ .

– برنامج “التوافق الأسري قبل الزواج” برنامج يخضع لاشراف مختصين في المجال الأسري بحيث يتم عمل دراسة حالة لكل عضوين في صدد بناء أسرة ويتم التاكد من مدى التوافق الأسري بينهما وهنا يعمل هذا البرنامج على مدى التوافق الأسري من اجل معرفة هل هناك تماسك أسري في المستقبل أم لا حتى لا يتم ربط عضوين جدد ولا يوجد أدنى مقومات التماسك الأسري بينهما وبالتالي ينهدم هذا البناء الأسري .

– إعادة دور الأسرة الممتدة فقد كان لها دور كبير في تماسك البناء الأسري في الماضي لما تتميز به من تماسك أعضاءها وعدم الخروج عن العرف الأسري والعمل على بقاء وتماسك هذا البناء الأسري .

ومع كل ما نراه اليوم من ترهل وضعف في البناء الأسري في المجتمع نتيجة عوامل اجتماعية أدت إلى فقدان الأسرة لدورها المنوط بها , ولكن في المقابل هناك نماذج أسرية مازالت قائمة ومتماسكة فهي نماذج يحتذى بها ويجب الاستفادة منها في المحافظة على البناء الأسري في المجتمع.