قد يستسهل البعض منا إحياء سنة من سنن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وهي زيارة المريض مع كثرة مشاغل الناس هذه الأيام وزحام الطرق خاصة في الفترة المسائية وتوسع المدن، و لو عَلِمَ هؤلاء بعظمة وفضل زيارة المريض لما تركوها أبداً، خاصة وأنها حَق للمسلم على أخيه المسلم كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث “حَقُّ المُسْلِمِ عَلى المُسْلِمِ خَمْس: رَدُّ السَّلام، وعِيادَة المَرِيض، واتِّباعُ الجَنائِزْ، وإجَابَة الدَّعْوةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسْ” (رواه الألباني وأخرجه البخاري)، وذكر الامام ابن باز لمن يحبذون الاتصال على الزيارة بأن الاتصال بالهاتف على المريض للاطمئنان عليه فيه فضل ولكن ليس كفضل الذي يعوده ويقصده في بيته أو في مقر علاجه، لذلك نبهنا الرسول عليه الصلاة والسلام على أهمية عيادة المريض في قوله “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟” (صحيح مسلم).

أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقد أخبرنا عن فضل زيارة المريض بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال “ما مِن رجلٍ يعودُ مريضًا مُمسيًا، إلَّا خرجَ معَهُ سَبعونَ ألفَ ملَكٍ يستَغفرونَ لَهُ حتَّى يُصْبِحَ، وَكانَ لَهُ خريفٌ في الجنَّةِ، ومن أتاهُ مُصبحًا، خرجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفرونَ لَهُ حتَّى يُمْسيَ، وَكانَ لَهُ خَريفٌ في الجنَّةِ” (رواه الألباني – صحيح أبي داود)، ومعنى “خريف في الجنة” أي: بستان في الجنة.

ومن آثار زيارة المريض أنها تُشعره بترابط المجتمع وروح الأخوة الإسلامية وتخفف عليه الآمه وأحزانه وترفع من معنوياته وتدخل عليه البهجة والسرور، ويتجلى فيها سموُّ الخُلق وحفظ لحق المسلم والمشاركة الوجدانية وإيناس القلوب وإزالة الوحشة والتقرب إلى الله، وهي من صفات المسلم الخلوق المتواضع الذي يشعر بألم أخيه المسلم.

الأهم من ذلك أن يعي المسلم آداب زيارة المريض والتي من أهمها التأكد من إمكانية الزيارة واختيار الأوقات المناسبة لها وعدم الإطالة فيها أو كثرة السؤال على المريض والحديث أو رفع الصوت والإزعاج، وغض البصر، والالتزام بالاحترازات الطبية المطلوبة لسلامة المريض، وعدم ذكر ما يُحزن المريض أو يزيده ألماً، بل من الأفضل أن يذكر الزائر ما يُصبِّر المريض ويُبشِّرهُ ويفتح له أبواب الأمل في الشفاء بإذن الله بطيب الكلام وبالإخلاص له في الدعاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام “ما مِن عبْدٍ مُسلمٍ يعودُ مريضًا لم يحضُرْ أجَلُه، فيقول سبْعَ مرَّاتٍ: أسأَلُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يشفِيَك، إلَّا عُوفِيَ” (رواه الترمذي)، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام لمريض زاره “اللهُمَّ رَبَّ النَّاس، أذهِبَ البأسِ، اشْفِ أنْتَ الشَّافي، لا شَافي إلا أنت، أشفِهِ شِفَاءً لا يُغادِرُ سَقَمَاً ” (أخرجه البخاري).

ومن أفضل الأمور التي تعلمناها من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام حرصه على زيارة المرضى وتفقد أحوالهم وتلبية رغباتهم والاطمئنان عليهم والدعاء لهم وإذا احتاج المريض إلى رُقية بادر عليه الصلاة والسلام إليها، وربما صَبَّ على بعضهم من ماء وضوئه المبارك ليشفى بإذن الله كما فعل في حديث جابر بن عبد الله في صحيح البخاري، وترسيخ هذا المبدأ في نفوس المسلمين، ولم تكن زياراته مقتصرة على المسلمين بل امتدت لغيرهم طمعاً في هدايتهم للإسلام، ومن أفضل القصص في زيارته للمرضى عليه الصلاة والسلام عندما زار أم السائب الأنصارية (أو أم المسيب) رضي الله عنها وسمعها تقول: الحُمَّى لا بارك الله فيها، فقال لها “لا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فإنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ” (صحيح مسلم)، ومعنى خبث الحديد أي: وسخه، والكير هو جهاز يستخدمه الحداد للنفخ في النار لإذكائها أي لإشعالها.