أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله الجهني بتقوى الله عز وجل الله في السر والعلن، والتمسك بما شرع في بيانه وتبيينه وعدم الاغترار بالدنيا الفانية.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم التي ألقاها بالمسجد الحرام: “إن الإسلام دين خلقي رفيع، دعا إلى التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وحض على مكارم الأخلاق، وحميد الصفات ومحاسن الشمائل، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً الغاية من بعثته، فقال عليه الصلاة والسلام : (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) رواه أحمد والبيهقي واللفظ لهما، أي: أُرْسِلْتُ للخلْق، “لأُكمِّلَ ما انتقَصَ من الأخلاقَ الحَسنةَ، وأساسها توحيد الله عزوجل والإخلاص له سبحانه وتعالى في عبادته وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس فهي أعظم الأخلاق وأهمها بعد التوحيد وترك الإشراك بالله عزوجل، وتليهما الأفعال المُستحسَنة الَّتي جبَلَ اللهُ عليها عِبادَه مِن الوفاءِ والمُروءةِ والحياءِ والعِفَّةِ فيَجعَلُ حَسَنَها أحسَنَ، ويُضيِّقُ على سيِّئِها ويَمنَعُها، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ سَأَلَهُ النَّجَاشِيُّ عَنْ حَقيقَةِ هَذَا الدِّينِ فَأَجَابَهُ قَائِلًا:(أيها الملك، لَقَدْ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةِ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجَوَارَ ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَان ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَار ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكُلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ …. ) الحديث، لَقَدْ لَخُص الدِّينَ كُلَّهُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي عُنْوَانُهَا الْكَبِيرُ : مَكَارِمُ الْأَخْلَاق ، وَقَدْ تَلَخَّصَ الدِّينُ كُلُّهُ فِي صَفْوَةِ الْخَلْقِ مُحَمَّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً ، الذِي أَثْنَى عَلَيْهِ رَبُّهُ بِأَرْقَى وَأَجْمَلِ مَا فِيهِ فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) صلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً”.

وبين أن الأخلاق الفاضلة الحسنة ، والشمائل الطيبة الكريمة ، والصفات الحميدة الرفيعة ، هي من قواعد الدين وأصوله الثابتة الراسخة بل إن الخلق الحسن أساس العقيدة الإسلامية والعمل، وثمرة التهذيب والتقويم، وأية قيمة لعقيدة وعمل لا يصحبها خلق كريم فاضل يقود صاحبه إلى العفة والحكمة، وشرف النفس وعلو الهمة ، ويرده عن مواطن السوء ، ورذائل الطبع ، ويحول بينه وبين ما يفسد المروءة ، ويثلم الشرف ، ويمس حرمة العقيدة والدين ، مستشهداً بأنه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : أَقَمْتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالمَدِينَةِ سَنَةً ما يَمْنَعُنِي مِنَ الهِجْرَةِ إلَّا المَسْأَلَةُ ، كانَ أَحَدُنَا إذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عن شيءٍ ، قالَ : فَسَأَلْتُهُ عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ . رواه مسلم ، مضيفاً بأن البر هو الإحسان إلى الناس، والتقرب إلى الله تعالى : ولا يتم ذلك إلا بحسن الخلق ، والإثم صفات قبيحة وأفعال شنيعة ، يحرص المرء على سترها ، ويكره أن يطلع الناس عليها ، فهي تؤثر وترسخ في الصدر ، وتتحدث بها النفس ويوسوس بها الشيطان ويترجمها الفعل إلى جرائم وآثام .
وأضاف: “إن الخلق العظيم مبدأ عظيم من مبادئ الهداية والإصلاح بين الناس ، ويندرج تحته سائر الفضائل الخلقية ، والمكارم النفسية ، من عفة، وأمانة، ووفاء، وصدق، وكرم، وحياء، وشجاعة وتراحم وإخاء . وإن الحياء أفضل الخلق الحسن ، فهو رأس الفضائل ، والباعث على الخير والإيمان، وقد دلت النصوص الشرعية على التحلي بالإيمان والحياء، والابتعاد عن البذاء وسيئ الأخلاق قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً : ( الحياءُ منَ الإيمانِ ، والإيمانُ في الجنَّةِ ، والبَذاءُ منَ الجفاءِ ، والجفاءُ في النَّارِ) خرجه الترمذي وأحمد وابن حبان والحياء هو انقباض النفس عن القبيح ، والتعفف عما لا يحل ولا يجوز ، وهو من خصائص الإنسان المميز له عن بهائم الحيوان” .

وأشار الدكتور الجهني إلى أن من أولى الناس بالحياء أخذا به وتمسكاً المرأة المسلمة، فالحياء تاج المرأة المسلمة ، وحصنها المنيع ، وسياجها المتين، فلها فيمن سبق أسوة حسنة، وسلفٌ صالح ، مستشهداً بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت: “كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي فأضع ثوبي ، وأقول إنما هو زوجي وأبي ، فلما دفن عمر رضي الله عنه معهم ، فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي، حياء من عمر رضي الله عنه” فها هي رضي الله عنها تشد عليها ثيابها لما دفن عمر في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مع أنه كان ميتاً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأنه يجب على المرء المسلم أن يأمر أهله بالحياء والحجاب والعفاف والستر ويحبب هذه الأخلاق الحسنة إليهم بالحسنى والمعروف لينال الرضا والثواب من الله عزوجل فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته و لقد رغب الإسلام في الخلق الحسن، وهو بسط الوجه وطلاقته، واستقامة اللسان ونظافته، واجتناب المحارم، وإتيان المكارم، وسعة الصدر، وقوة الاحتمال والصبر ، وجعله عنوان الكمال، ورمز الخير والبر، وأساس التعامل بين الناس.

وأضاف: “في هذا الزمان ساءت الأخلاق، وعم الشقاق والنفاق، واستفحلت الشرور والآثام، وكثر الفحش والبذاء، وضعف الإيمان والحياء، وتعامل الناس بالغدر والخيانة والدهاء، وانقطعت حبال التراحم بينهم والإخاء، وفسدت العلائق الزوجية، والروابط العائلية، بسبب سوء الأخلاق وفساد التربية، وانحطاط النفوس إلى درك المادة والشهوات فسوء الخلق شر ذميم الأخلاق، واقبح النقائص على الإطلاق، فهو شر مستطير على المجتمع والناس، وشؤم محقق في الحياة، فهو يُحبط الأعمال، ويجر إلى الآثام، ويقضي على صفات النبل والمروءة والكرم، ويسرع بصاحبه إلى الشر والغضب، ويدفع به إلى الأذى والعدوان، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً: (إنَّ مِن أحَبِّكُم إليَّ، وأقْرَبِكُم مِنّي مَجلِسًا يومَ القيامَةِ، أحاسِنُكُم أخلاقًا، وإنَّ أبَغْضَكُم إليَّ، وأبْعَدَكُم مِنّي يومَ القيامَةِ، الثَّرْثارونَ، والمُتشدِّقونَ والمُتفَيْهِقونَ”. أن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة : أحسنكم أخلاقاً) أخرجه الترمذي في سننه.

وفي المدينة المنورة، تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير عن حسن الخلق، مبيناً أنه لفظ يجمع الخصال والفضائل الحميدة التي حضّ عليها ديننا الحنيف، محذراً من سوء الأخلاق، والحسد، والبغضاء، والتعالي عن الناس لأن ذلك يورث الندامة، ويُفضي إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.

وأوضح الشيخ صلاح البدير في خطبة الجمعة اليوم، أن أعظم الأرزاق حسن الأخلاق، وأن الخلق الحسن غناء الفقراء وزينة الأغنياء، وحلية السعداء، فمن حسنت أخلاقه، درّت أرزاقه، ومن ساءت أخلاقه طاب فراقه، فكم من رضيع رفعه خلُقه، وكم من وضيع وضعه خلُقه، وأن من حسُن خلُقه أراح واستراح، وانجذبت نحوه الأرواح، مورداً الحديث الذي رواه أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقِ الله حيثما كنت وأتبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن” أخرجه أحمد والترمذي.
وبيّن فضيلته أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع ما خصّه الله به من جميع الشمائل والفضائل، والأخلاق الزكية والأوصاف العليّة، كان يدعو الله أن يهديه لأحسن الأخلاق، ويصرِفُ عنه سيئها.

وقال الشيخ البدير: “الأخلاق الصالحة ثمرة العقول الراجحة، فمن لانت كلمته حسُنت عِشرته، ووجبت محبته، وعظُمت مودته، وارتُضيت صحبته، وتواردت على مدحه الألسن”، مبيناً أن حُسن الخلق هو القيام بالحقوق والإحسان والبرُّ والصلة وسلامة الصدر، وحُسن البِشر، وصدق الحديث، والعدل وقبول العذر، والعفو والمساهلة والمسامحة، والتخلّي من الرذائل، والتحلّي بالفضائل، وترك الخوض في أخبار الناس وتتبّع أحوالهم، واستقصاء أمورهم، وحكاية أقوالهم وأفعالهم، والبحث والتنقير والتفتيش عن أسرارهم، وترك الغلظة والفظاظة والجفاء، والتقطيب والعبوس، وترك العجلة والعنف والطيش، وأن تصل من قطعك، وتُعطي من حرمك، وتعفو عن من ظلمك، ولا تقابل الأخلاق السيئة بمثلها: قال الله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”.

وأضاف: “أن المؤمن يبلغ بحُسن الخلق، وكرم السجّة، وكفّ الأذية وجميل العٍشرة، شريف المنازل وعظيم الدرجات، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” إن المؤمن ليُدرك بحُسن خُلُقه درجة الصائم القائم” رواه أبو داوود.

وحذّر فضيلته من سوء الخلُق والمشارسة والمشاكسة والمعاسرة في مخالطة الناس، مبيناً أن ذلك دليل الخذلان والحرمان، وأن من عظُم كبرياؤه واستحسن حال نفسه واستحقر من دونه، ونظر إلى غيره شزراً وتبختراً، ولا يرى لأحد عليه حقاً ولا فضلاً، سقطت مكانته، وطالت ندامته، وذهبت كرامته، فلا يزداد من الله إلا بُعداً ولا من الناس إلا بُغضاً، لسوء خلقه.