كثير من الناس من تستوقفه كلمة (يقولون عني) فيحاول أن ينفي عن نفسه كل مقولة؛ فيكون همه أن يلقم كل فاه حجرا دون نظر: للقائل، وسبب القول، واعتباره الشرعي والقدري. والحق أن اللازم الذي لابد منه أن يُنتبه لأمور يشفي الله بها الصدور، وينتزع بها ما يعتريها من حزن:

الأول: أنه ليس كل ما يعيبه الناس على آحادهم حق؛ فمنه ما هو باطل، ومنه ما فيه شيء من الحق، وما هو شبهة حق وليس بحق في ذاته.

الثاني: أن ما يجب أن ينفيه الإنسان عن نفسه أحد أمرين: منقصة في الدين؛ باعتبار أن الإيمان يزيد وينقص، بالإضافة إلى أن في عموم الدين نظرة لمظاهره التعبدية والاعتقادية. ومنقصة في الأخلاق، وهو تبع للأول، لكن الأهمية يزم معها التخصيص.

ثالثا: أن ما يعيبه الناس على آحادنا، منه ما هو قدر الله الكوني الذي لا حيلة مطلقة لنا فيه؛ كأشكال الأجسام، والصور، وتقدم العمر، والمرض، وعموم ما يعتري الإنسان في بدنه، وأهله، وماله؛ وهذا لابد أن يجعل المؤمن نفسه في حصانة من التأثر بالانتقاص فيه؛ إذ أن ذلك بلاء من الله، منه ما يرفع، ومنه ما لا يرفع، وقول من قال ليس له أي قدر من الأهمية.

رابعا: أن من عاب عبد بقضاء لابد أن يبليه الله به؛ فإن الذي عوفي من أمر يكرهه، عليه أن يسأل الله العافية، ويحمد الله على السلامة.
خامسا: أن من جعل نظره موجها لعيوب الناس، فإنه إنما نظر لنفسه برفعة ولغيره بدونيه؛ وإن فيه شبه من إبليس الذي عاب على آدم أنه خلق من طين، واعتبر نفسه متميزا عليه لأنه خلق من النار؛ فتكبر على الخالق الذي خلقهما جميعا، ونوع في خلقه لحكمة بالغة، فليحذر من مشابهة العاقبة كما تشابه معه في المقال.

إضاءة:

يا من عبت الناس فانظر لعيبك واحذر من الذي يجازي ويعدل
إن عبت خَلقا فقد عبت الذي خلق وإن عبت خُلقا فإنه إليك مقبل
إن الذي ينتقص عبدا في شخصه علا بنفسه والكبر إليه تسلل