العرب مشهورون بخلق ثقافة العيب، أنا وأنت تربينا على سماع هذا عيب وهذا حرام وقد تبرمجنا على اتباع كليهما كما لو أنهم على نفس وجه التحريم وكأنّ العيب كتاب مقدس له تعاليمه وقواعده، ولكن في حقيقة الأمر أن العيب مفهوم نسبي يختلف من بيئة لأخرى وتتأرجح أسسه وما يندرج تحته فلا يتسم بالثبات فما نجده عيباً هنا قد نراه مقبولاً في مكان آخر. وفرض هذه الأسس التي لا تستند على ثوابت وتكون مجرد عادات وتقاليد توارثناها قد تولّد جيل يعيش حياة ازدواجية ما بين ما يرضي أسرته ومجتمعه وما يشعر بداخله أنه صواب.

ما هو مفهوم العيب ومن يصنفه، وهل يختلف من بيئة لأخرى؟

كلمة العيب لغوياً تعني الخلل في شيء ما ومرادف لعدم الكمال مثل أن يكون هناك خلل في جهاز وشيء يعيبه، أما العيب الاجتماعي فهو يخضع للقواعد الاجتماعية وقد تختلف من مجتمع لآخر فالتصرف الذي يعتبر عيباً في مجتمع قد يكون مقبولاً عند مجتمعات أخرى.

يتشابه العيب مع الحرام في الوصمة التي تطلق على مرتكب الفعل المعيب كونه فعل غير مقبول، ولكن يختلف في مصدر تصنيفه فالعيب الاجتماعي يكون تصنيفه حسب البيئة والمجتمع الذي حدد هذا الفعل كفعل معيب وقد يتغير بتغير المكان والزمان، وهذا يختلف عن المحرمات وهي ثوابت مصدرها هو التعاليم والنصوص الدينية.

كما نرى في مجتمعاتنا يغلب اتباع الفكر الاجتماعي السائد، ولقد تربينا على أهم أداة للزجر وهي كلمة “عيب” وكلمة العيب تعد حاجزاً سلوكياً رادعاً قد يرتقي ويتعدى على ما هو محرم شرعاً بحسب شدة عيبيته في المجتمع، وهذا السلوك المتبع قد يحد من حرية الفرد في الممارسة والاستمتاع فيما لا يخالف الشرع والدين وخاصة في البيئات المحافظة التي قد تعتبر بروتوكولات العيب المتبعة في مجتمعها والتي ورثتها من أجدادها أسس وقواعد من يخرج عنها تلزمه وصمة عار قد تفوق في عارها ارتكاب ما هو محرم شرعاً.

وقد تخلق ثقافة العيب حاجزاً سلبياً يمنع من تقدم المجتمع وازدهاره كما كانت ثقافة العمل في وظائف صغيرة مثل العمل كسائق أو موظف كاشير أو صانع قهوة أو محضر طعام عيب في فترة من الفترات وكانت مقتصرة ومقبولة للعمالة فقط دون غيرها، هذا النوع من تبني العيب سبّب ضرراً لفئة الشباب ومنعتهم من دفع عجلة التنمية لمجتمعهم، وكسر قاعدة العيب في هذه النقطة فتح أبواب واسعة للشباب والفتيات في دخول مجالات عمل مختلفة أثبتوا جدارتهم وأبدعوا فيها.

لذلك يجب علينا التفريق بين المعايير المحلية والمحرمات المجتمعية التي خلقناها، وبين محرمات دينية نزلت علينا في كتاب الله والتخلي عن المحرمات المجتمعية التي ورثناها وتربينا عليها دون نقد أو تفكير والتي أصبحت عقبة في سبيل تطور المجتمع وازدهار مصالحه.

يجب علينا تصفية وفرز العيوب التي تقف عائقاً ولا تحقق مصلحة الجماعة ولا تتناسب مع تقدمنا، والثبات على المحرمات شرعاً وما يجمع الكل على ضرره في الواقع.

وبرأيي أن الوسطية في الأمر هي الحل الأسلم دائماً، لا ضرر ولاضرار ولا تحريم دون دليل، ولا عيباً ورثناه معلباً ليس له حكمة من وجوده ويتعارض مع العقل والمنطق.