صافحت عيناها صوت الموج قبل أن يهدأ في يأس السراب وعانقت خوفها قبل أن تخنق الأشواق مهجتها على مرافىء الدمع في ظلال عروق الليل والضوء تصلب عند صوت الحزن على قبر التراب..

حينها تأملت بكل حواسها تلك المسافة التي أوشكت أن تزهر على إغفاءة ذلك الهجير القاحل ..

تأملتها وهي في عناقٍ بطيء مع مرآة عناقيد وجودها التي غابت في خشوع متعب يحاول أن يحظى برقصة القطاف التي قد تشرق من نبع الترحال السعيد.

ليس وهماً أن تدرك ذلك وترحل في ذكرى ذلك الفضاء الناضج في لجة التيه وهي تسأل خطاها عن دياجير غربة الوله لمن هو ليس غريباً عنها وإنما متوهج ومبثوث داخل هجرة أوردتها كنبض يشتهي أكاليل السحاب ويتهجى صحو سيرته في نبع الورد وأهداب الحنين.فلقد مضت تلك اليانعه وهي تسكب بوحها الساحر على انتشاءة الماء العذب الزلال وأكتاف اليقين..

مضى ذلك الطهر نحو ظل أفياؤه مشاعر وضاءة لتنشد اللقاء العفيف والعشق الدفين..

مضت وهي تلتحف الثريا بنداء مدهش يتوق إلى هدير البحر وشهوة الدمع الحزين..

مضت وهي توغل في المدى نحو الصدى لتورق الأحلام في ضوء الندى ..

مضت كالنسيم الهفيف فرحة بالرغم من لوعة ترحها المشوبة بعاصفة الشتات عن وكرها الطبيعي المتأرجح بين نغمات صيفها وهدهدة ذلك الشدو الشجين الذي يحبو فوق هام السحب وضباب حوله ولامطر مبين! ألم قد يصدها عن البوح المطلق لذاتية منطقها وهي تعلم تماماً بأنها مثل تلك التي هاجرت ..

أرتاحت قليلاً مع نغماتها الخافقه ومع ذكرى تلك التي رحلت على أمل العوده لتتبصر الأشياء بعينيها المجردة بعيداً عن مادية اللهاث..

سكون أنكفأ عليها يعشق الهدوء وهدوء وصلت إليه لملم خشيتها..

بحثت قناديل فجرها منذ زمن عن مرتع يطل على نبتة الأذخر لتقطف نبضه..

ربيع رائحته نابعه من باقة أحداق الشيح والعرعر وأكاليل الجبل حينما تغدو بعطرها على أوجه الحسن في جبهة الوسن البعيد.حلمت حينذاك بخرير تلك المياه المنسكبه في بحر أذنيها بجلاء فأنين الزمن المفلوج لا مكان له عندها في عالم البداهة وآهات البؤس لا طريق لها في عالم فطرتها.. حياة منها وفيها الحياة..

لغز تتيبس منه فواصل كل الكلمات ومفاصل قادرة على أن تعطي كل شيء بلا حدود..

ترى هل تطغى السعاده التي تملكت أخيرا زمام حيرتها على شفافية مهجتها الحزينة في ظل تلك البدايات المغرورقه ذات الأطلال القديمة ..

ربما كذلك وربما تنسحب أغادير ماتفكر فيه بإمعان على أوجه مختلفه وملونه تحتار فيها ولا تختار منها لأنها تبحث عن الحقيقه عبر مراكب اللا معقول حتى ولو كانت مترنحه غير مورقه .هي كذلك تحاول أن تستجدي أنقاض أفقها وأن تعبر عن بسمة فجرها بدعاء فرح توأمه الأمل على أرضية معطاءة مخضرة ألوانها متألقه كما هي وكتلك التي ماجت ..

هي لا تأبه لكل ماهو قادم إليها من تلك الشفاه السمراء الكادرة المنطفئة لأن في قلبها سهف لكل أحداق الرحيق حين يهفو للسهر بلا ضجر وعفاف رونقها ينثر رؤاها العطره على مساحة ركضها بين أفياء ظلالها ونفسها الطاهرة المنتشية بهمس عبيرها على أنغام ألوانها الهادئة وهي تخفق كما في تلك التي في مخيلتها بين قمر انحنى عليها وشفق زال لتوه بخيوطه الرائعه عنها ..

ومايزيد من رهافة إحساسها الفطري هو بهاء فلقها في عودة تلك التي تحيا من أجلها بعد رحلة مضنية إلى حيث مكانها الدافىء فهل سوف يستوعبها ذلك الثرى ؟! أم أن صداها تنيره السماء للقرب منها!! وكيف لها ذلك وهي ترشح بالحياة ترشح بالحلم السعيد ولهفة الحسن الوليد وذلك أجمل مافي أنسام الربيع حينما يتوسد دهشتها بهجة اللحن الفريد وعبير الوجد الوحيد في ظل صدح البلابل في لقياها السعيد !!!.