إبعادا للفكر النسوي والذكوري، وجميع معاقل العلمانية، أقول: إن التعدد قدر الله الشرعي؛ الذي يجب الإيمان به، وقدره الكوني؛ الذي يقع للبعض أو عليهم؛ فمن كان عليها فصبرت لها الأجر بأمر الله، ومن لم تستطع خوفا من وقوع ضرر مؤكد في دينها أو نفسها، فلها أن تبتعد بكل أدب واحترام. ومن كان له فلزمه العدل والإحسان، وله الأجر إن شاء الله، وإن كان شقه مائل؛ فحق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل”.

إن التعدد بصورته النمطية المتعارف عليها، يظهر العدل الذي كتبه الله تعالى على نفسه وأمر به عباده، والذي أزعم أن نسب نجاحه وإن كانت متفاوتة، إلا أنها لا تقل عن (60%)؛ لكن واقعنا المعاصر أفرز نوع جديد من التعدد أشبه ما يكون بالوظائف؛ بحيث تكون الزوجة الأولى زوجة بدوام كامل يقع عليها جميع المسؤوليات، بينما تفوتها -غالبا-الكثير من الحقوق، وتكون الزوجة أو الزوجات الأخريات، زوجات بدوام جزئي؛ فليس عليها مسؤولية من أي نوع، سوى إمتاع الزوج إذا حضر، ولها -غالبا- صفوة المعاملة والإكرام المادي والنفسي؛ وهو ما يسمى بزواج المسيار، الذي أصبح ظاهرة مجتمعية منذ تسعينات القرن الماضي؛ وكان من أهم سماته: التكتم والسرية-بخلاف التعدد المتعارف عليه- وبالأريحية؛ فلا  واجبات، ولا التزام؛ وإن وجد فلن يبلغ مبلغ المسؤولية التي في الزواج الأول المشهور والمعلن، والذي تقوم الزوجة فيه -غالبا- بإبراز الصورة الاجتماعية لذلك الرجل، وتعزز كبريائه وثقته، سواء كانت امرأة عاملة لها مكانة مرموقة في مجالها، أو ربة بيت عادية، وتجمعهن -غالبا- صفة الزوجة والأم الصالحة؛ فلو لم تكن كذلك لما اضطر الزوج للسرية، وسلك مسلك الاستبدال؛ زوج ماكن زوج.

ومن المحزن أن ذلك الزواج قد أثر سلبا على حياة الزوجتين، بل والزوج نفسه؛ فالأولى تتعرض -غالبا- لحالات من النشوز؛ ماديا، ونفسيا، بل والإعراض عنها، فلا تنال شيء من حقوقها الزوجية، أو لا يعطيها إلا القليل الذي لا يغني، وربما يشعر أنه متفضل بذلك عليها، أو تشعر أنه يعاقبها على ذنب لا تعرفه؛ فتتحمل العبء المادي، أو قسوة الافتقار إلى ما يلزمها وأولادها، بالإضافة إلى المشكلات النفسية، الناتجة عن إهمال الزوج، وربما هجره لها، والتي قد تتحول مع الوقت إلى مشكلات صحية.

ولم يقتصر هذا الأثر على الزوجة الأولى فقط، بل تعداها ليشمل الثانية؛ فالرغبة الداخلية للمرأة التي تدعوها للاستقرار مع الرجل لتشعر بالطمأنينة والأمان، تدفعها للمطالبة بالمزيد، وتدفع البعض -إن لم يكن الأغلب- للتواصل مع الزوجة الأولى، لتعلم بوجودها؛ على أمل أن تندفع بموقف عنيف يتسبب بطلاقها؛ فتصبح هي الزوجة الوحيدة، أو تحاول إنجاب طفل، وهو الأمر الذي يرفضه معظم من تزوج بهذه الطريقة؛ فتخسر المسكينة غالبا وتكون نهاية زواجها وإن طالت هي الطلاق، أو الهجر والإهمال.

أما الزوج فله النصيب الأكبر من الضرر ولا تستعجبوا من ذلك؛ فسعادته المؤقتة الناتجة عن المغامرة والإثارة، اشتملت على الكثير من الآثام؛ إذ أنه يتخذ من الكذب صنعة له؛ ليبرر غيابه المتكرر لزوجته الأولى، وغيرها من الأمور، بالإضافة للإخلاف بالوعود؛ إذ لا ينفك عن تمنية المسكينتين بأماني لا يحقق لهن منها شيء؛ فيجمع بين خصلتين من خصال النفاق؛ بالإضافة إلى إثمه بشقه المائل.

إضاءة…

تحية لكل زوج معاصر كتب له الله التعدد؛ فأعلن وعدل، ولكل زوجة بدوام كامل؛ صابرة محتسبة.