أوصى خطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، في خطبة الجمعة الذي ألقاها اليوم، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.

وقال فضيلته اليوم في المسجد الحرام: الحمدلله الذي منَّ على أهل الإسلام بفريضة الحج إلى بيته الحرام، أحمده سبحانه على آلائه العظام، ومننه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدالله ورسوله، بيَّن المناسك بواضح القول وبيِّن الفعل، كيلا تضل فيها الأفهام ولا تعلق بها الأوهام، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار المُتَّقين الأعلام، صلاةً وسلامًا دائمين ما تعاقبت الليالي والأيام.
وأضاف قائلًا، عباد الله: بيت الله الحرام، وحرمه الآمن، ومشاعره المباركة العظام، كل أولئك: مما تتجدد به ذكرى إمام الحنفاء، ورافع القواعد من البيت، إبراهيم أبي الأنبياء، خليل الرحمن -عليه وعلى نبينا أفضل صلاة وأزكى سلام- كما قال عز اسمه: ﴿وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ﴾.

وأوضح فضيلته أنَّ في الاستجابة لنداء الخليل بالحج، ذلك النداء الذي أمره به ربه بقوله سبحانه: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، وفي قصد هذا البيت الشريف، في هذه الأشهر الغُر، تجديدٌ لذكرى هذه النعمة، التي أكرم الله بها خليله عليه السلام، وهو تجديدٌ في مواطن الذكريات الأولى، عند البيت والحجر، والركن والمقام، والصفا والمروة وزمزم، ومنى وعرفة والمشعر الحرام.

وأشار الدكتور عبدالله خياط إلى أن توثيقُ عرى التوحيد الخالص لله رب العالمين، و أخذ النفوس بكمال الالتزام به، وتمام العمل بما يقتضيه، والحذر من كل ما يضاده وينافيه، وهو الشرك الذي يحبط به العمل، فلا ينتفع به صاحبه، ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾، أي: أشركوا فيه مع الله غيره.

وأردف قائلًا، عباد الله حجاج بيت الله: إن فرصة حج البيت، لهي من أعظم ما يتم به تجريد التوحيد، وتحقيق العبودية لله، الذي لا معبود بحق إلا هو سبحانه؛ إذ في كل نسك من مناسك الحج، وفي كل شعيرة من شعائره، تتجلى العبودية لله في أوضح صورها، ويتبدى أثرها ظاهرًا في أداء هذه الشعائر، من نية إحرام، وتجرد من المخيط، وحسر عن الرؤوس، وطواف بهذا البيت، واستلام الركن وتقبيل الحجر الأسود، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار، والذبح أو النحر، وطواف الإفاضة، في كل ذلك مظهر للعبودية الخالصة لله رب العالمين، بإفراده بجميع أنواع العبادة، والتي هي الغاية من خلق العباد، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وأكد فضيلته أن في مناسك الحج أيضًا تذكير بمواقف العبد في الدار الآخرة، يبعث على دوام الاستعداد لها، وعدم الغفلة عنها بزهرة الحياة الدنيا وزينتها.

كما أكد على الحاج أداء الشعائر، بالتزام أقوم السبل الموصلة إلى الغاية من رضوان الله، والظفر بكريم جزائه الذي أبان عنه ودل عليه، خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: “العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ” أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وأن السبيل الذي يتعين على حاج بيت الله التزامه وعدم الحيدة عنه، ليحظى بهذا الموعود، جاء بيانه في قوله سبحانه: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، وبينه رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه بقوله: “مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ”. أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وتابع بأن من السبل أيضًا: اختيار الحلال من الكسب والتزود به لأداء هذه الفريضة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!”، وأن للحاج في كل خطوة من خطواته، منذ أن يبرح بيته ويفارق وطنه حتى يقضي مناسكه ويختم أعمال حجه: مواقف دعاء وتضرع، يقتضي منه أن يطيب كسبه وأن تزكو نفقته.

وأوضح أمن السبل التي تتعين على الحاج: وهي الإخلاص لله تعالى في كل ما يعمل من عمل، وتحري الإتيان به على الوجه المشروع، السالم من الابتداع، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله سبحانه: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب ما كان على السنة).

وأضاف قائلًا، يا عباد الله: في جوار هذا البيت العتيق، وهذا الحرم الآمن، تتوثق الصلات بين أهل الإسلام، وتقوى الوشائج، وتسود المحبَّة والتعارف والتآلف والتعاطف الذي هو من أظهر سمات المجتمع الإسلامي الراشد، الذي يأخذ أفراده بنصيب وافر من أعمال البر، بالإحسان إلى الفقراء واليتامى والأرامل، ودعم المؤسسات الخيرية الرسمية والمعتمدة، بإمدادها بألوان المعونة، التي تعينها على القيام بأعمال تطوعية جميلة السعي جليلة المراد، فإن هذا من النفقة في الحج والعمرة، التي يؤجر عليها المنفق، ويشكر له سعيه، ففي الصحيحين وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: “إنَّ لكِ من الأجرِ على قدرِ نصَبِك ونفقتِك”.

وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والنجوى.

وقال فضيلته: أيها المسلمون تتجدد مواسم الخيرات على العباد فضلًا من الله وكرمًا, فما أن تنقضي شعيرة إلا وتليها عبادة أخرى ليغسلوا فيها درنهم وتعلو بها درجاتهم وقد أظلتنا أيام عشر مباركة هي خير الأيام وأفضلها وأجلها وأعظمها اقسم الله بها ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) قال مسروق -رحمه الله- هي عشر الأضحى أفضل أيام السنة وهي من أيام الله الحرم وخاتمة الأشهر المعلومات التي قال الله فيها: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) نهارها أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان وفضيلته عشرة ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها من الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيرها.

وبيّن فضيلته أن التفاضل بين الليالي والأيام داع لاغتنام الخير فيها ومن اغتنام العشر الإكثار من الأعمال الصالحة فيها فالعمل الصالح فيها أحب إلى الله من نفس العمل إذا وقع في غيرها ومن فضل الله وكرمه أن الطاعات في هذه العشر متنوعة ومما شرع فيها الإكثار من ذكر الله قال تعالى ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) والتكبير المطلق في كل وقت من الشعائر في عشر ذي الحجة والصدقة عمل صالح بها تفرج الكرب وتزول الأحزان وخير ما تكون في وقت الحاجة وشريف الزمان.

وقال: إن مما يستحب في العشر صيام التسعة الأولى منها، مشيرًا فضيلته أنه الأفضل للحاج أن لا يصومه تأسيًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإبقاءً لقوته ليستكثر من التضرع والدعاء، ويوم عرفة ملتقى المسلمين المشهود، يوم رجاء وخشوع وذل وخضوع، يوم كريم على المسلمين والدعاء عظيم المكانة رفيع الشأن يرفع العبد إلى مولاه حوائجه ويسأله من كرمه المتوالي.

وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم أن في عشر ذي الحجة يوم النحر أعظم الأيام عند الله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ) وهو أشد الأيام عند الله حرمة وهو أحد عيدي المسلمين يوم فرح وسرور بأداء ركن من أركان الإسلام وهو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعًا وهو يوم الحج الأكبر وفي ذلك اليوم العظيم وصى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أمته أن تبلغ الدين للناس ,ففي أيام النحر والتشريق عبادة مالية بدنية هي أحب الأعمال إلى الله قرنها الله بالصلاة فقال: (فصل لربك وانحر) وحث الله على الإخلاص في النحر وأن يكون القصد وجه الله وحده .

وختم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم حاثًا المسلمين باختيار أفضل الأضاحي فاضلها وأغلاها ثمنًا وأنفسها عن أهلها مبينًا أن شاة واحدة تجزي عن الرجل وأهل بيته، منبهًا فضيلته بعدم التذمر من ثمنها فثوابها عند الله عظيم.