لاحظ المتابعين للأحداث الرياضية العالمية ما تعرض له النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور مهاجم فريق ريال مدريد الاسباني لكرة القدم من إساءات عنصرية من بعض الجماهير مؤخراً في المباراة التي خسرها ريال مدريد أمام فالنسيا 0/1 في منافسات الدوري الاسباني وهي الحالة العنصرية التاسعة خلال هذا الموسم حسب ما أكده خافيير تيباس رئيس رابطة الدوري الاسباني والتي جرى تبليغ المحاكم بها، ومن سوء حظ اللاعب فينيسيوس أنه كان الضحية في ثمانية حالات منها، وهناك الكثير من الحالات العنصرية التي حدثت في العالم وكانت نتائجها ضحايا كثيرة من البشر وآلام تركت تأثيرا بالغاً على الشعوب والمجتمعات.

والعنصرية هي مجموعة الأفكار والمُعتقدات والقناعات والتصرفات التي تُحَاول رفع وتمييز فئة معينة على حساب فئات أخرى بناءً على أمور مُورَّثَة مرتبطة بقدرات بعض البشر أو عاداتهم وتعتمد على لون البشرة أو الثقافة أو اللغة أو الحالة الاجتماعية أو المعتقدات الدينية، والجدير بالذكر أن أول من بدأ بالعنصرية هو إبليس لَعَنُه الله حينما أمَرهُ الله بالسجود لآدم عليه السلام في قوله تعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف-12).

نظرة الإسلام للعنصرية:- حارب الإسلام الطبقية والعنصرية بكافة أنواعها وأكد أن أصل البشر هو سيدنا آدم عليه السلام وأنهم كأسنان المشط وأعتبر العنصرية من آثار الجاهلية وحَذَّرَ منها لأنها تُحِدُّ من تَوحُّد الناس واجتماعهم تحت راية الإسلام وتثير الضغائن والأحقاد، حيث قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات-13) علماُ بأن هذا الاختلاف هو آية من آيات الله عز وجل كما في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم-22)، وقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام “لا فضلَ لِعَربيّ عَلى عَجَمِيّ ولا لِعَجَمِّي على عَرَبيّ ولا لأبيضَ على أسْوَد ولا لأسْودَ على أبيضَ إلا بِالتَّقوَى، النَّاسُ مِن آدمُ وآدمُ مِن تُراب” (رواه الألباني).

وللعنصرية آثار على الأفراد والمجتمعات حيث أنها تعتبر من أسوأ السلوكيات والأمراض في التعامل وتعتمد على سلب حقوق البشر الذين تُمَارس ضِدَّهم العنصرية ونوضحها في الآتي:

آثار العنصرية على الأفراد:- تؤثر العنصرية في الأفراد وتجعلهم يشعرون بالوحدة والعيش في عزلة عن المجتمع وإدمان المخدرات عند البعض وتُنتِج أفراداً محدودي الفكر وتؤدي إلى الأنانية وعدم الإحساس بالآخرين مما يسبب الحقد والكراهية وقلة الثقة بين الأفراد وعدم تقبل التنوع الثقافي بسبب العنصرية وزيادة معدل الجريمة والعنف بينهم.

آثار العنصرية على المجتمعات:- تساهم العنصرية في حدوث النزاعات والصراعات التي قد تصل للحروب الداخلية، وتفكك الروابط الاجتماعية وتفشي الحقد والكراهية والعنف في المجتمعات بسبب التمييز العنصري الذي يسبب عدم استقرارها السياسي والاجتماعي ونشر الخوف والاضطهاد فيها والتأثير على الاقتصاد وزيادة فجوة الثروة العرقية بين الفقراء والأغنياء التي تؤدي لانخفاض الإنتاجية المحلية للدول بنسبة كبيرة.

علاج داء العنصرية يعتمد على أمور وخطوات كثيرة أهمها:

* تقوية الوازع الديني بين أفراد المجتمع بتوضيح رأي الشرع ونظرة الإسلام الواضحة للعنصرية ونبذه لها.

* فرض عقوبات صارمة ورادعة على الأفراد العنصريين وكل من يثير الفتن والنزاعات بين أفراد المجتمع.

* تطبيق مبدأ العدل والمساواة بين أفراد المجتمع لتضييق دائرة الخلافات بين القبائل والفصائل المختلفة.

* الاستفادة القصوى من دور الإعلام في التأثير إيجابياً على المجتمع لنبذ العنصرية والتمييز ومحاربتها والقضاء عليها.

* التركيز على الأسرة في التربية وزرع أفضل القيم والمبادئ في نفوس أفرادها لحب الآخرين وعدم احتقارهم أو نبذهم.

* تفعيل دور المؤسسات التعليمية لتوعية وتثقيف الأجيال المستقبلية وزرع الأفكار والمعتقدات السليمة فيهم.

* تنشيط فعاليات منظمات حقوق الإنسان ودورها في عقد الدورات والمحاضرات والمؤلفات التوعوية لنبذ العنصرية والدفاع عن الأشخاص الذين يتعرضون للعنصرية ومساعدتهم للحصول على حقهم في العيش بكرامة واحترام.

وأخيراً وليس آخرا ظاهرة العنصرية هي داء لا يصعب علاجه ولكن يتطلب ذلك مجهودات كبيرة ورغبة من الأفراد والمجتمعات والحكومات للتخلص من هذه الآفة الضارة التي تَفَشَّتْ في كثير من المجتمعات حيث لابد من دراسة هذه الظاهرة جيدا ومعرفة أسبابها وإيجاد حلول مناسبة لها ووضع خطط تنفيذية مرنة لهذه الحلول ومتابعة التنفيذ لبناء مجتمعات صحية وسليمة تؤمن بالمساواة والعدل لتأسيس مبدأ التكافل والتكاتف والسير في طريق التقدم والحضارة من أجل مستقبل الشعوب.