يعتقد البعض ممن يقومون بأدوار تربوية وتعليمية وتثقيفية بأنهم وقتما يقولون لطلبتهم ومن على شاكلتهم من طلبة العلم في حالة عدم تمكنهم من الإجابة على أسئلتهم ( لا ندري) يُعد نقصاً فيهم أو يفقدهم مكانتهم العلمية والإجتماعية بل هناك من يستحي منهم من قول هذه الكلمة، والتي بقدر ما تمنحهم ثقة الناس بهم بقدر ما ترفع من شأنهم وقدرهم، وتدفعهم بالتالي لمزيد من البحث والتقصي للحصول على معلومات أكثر ربما تكون غائبة عن أذهانهم أو جديدة عليهم، فتساهم حينئذ في إثرائهم العلمي والمعرفي واتساع مداركهم.

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فعندما سُئل ذات مرة عن أي البلدان شر؟ قال لا أدري ليسأل بذلك جبريل عليه السلام والذي قال لا أدري أيضاً حتى إذا ما انطلق إلى ربه ثم مكث ما شاء أن يمكث عاد ليقول لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام لقد سألت ربي عز وجل أي البلدان شر؟ فقال ( أسواقها ) رواه الإمام أحمد، وهذا ما سار عليه صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وغيرهم من سلف الأمة الصالحين.

ومن بينهم الإمام مالك يرحمه الله والذي قال لا أدري في اثنتين وثلاثين من جملة ثمان وأربعين مسألة فقهيه عُـرضت عليه، ومثله الإمام الشافعي يرحمه الله حينما سُئل عن المتعة أكان فيها طلاق أو ميراث أو نفقة تجب أو شهادة، فقال لا ادري، فيما قال البارودي في كتابه أدب الدين والدنيا ( فإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم سبيل فلا عار أن يجهل بعضه، وإذا لم يكن في جهل بعضه عار لم يقبح به أن يقول لا أعلم، فيما ليس يعلم ) وتأسيساً على ما سبق.

فأنه يتوجب على كل فرد وقتما يجهل أمراً من أمور دينه ودنياه وآخرته أن يسأل المتخصصين انطلاقاً من قوله تعالى( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ذلك لأن أي معلومة غير صحيحة أو خاطئة أو ناقصة يتلقاها الفرد ستستـقر في ذهنه لا مُحال إن لم تُصحح في وقت لاحق، لا سيما الأطفال، عدا كون هذه الأخطاء ربما تُصبح جزءً لا يتجزأ من مكونهم الفكري والتي ربما تتحول إلى سلوكيات غير مرغوبة أو سيئة أو ضارة بذاتيتهم أو بمجتمعهم أو بهما معاً مع مرور الزمن.

فما أجمل وأسلم أن يقول الشخص أياً كان موقعه التربوي أو التعليمي أو حتى إماماً لمسجد (لا أدري ) حين لا يجد في نفسه القدرة والكفاءة العلمية في الإجابة على ما يُطرح عليه من أسئلة، ولعلنا لا نجانب الصواب حينما نقول ضمن هذا السياق بأن بعضاً من آيات القرآن الكريم، فُهمها كثير من الناس على غير معناها الحقيقي وذلك من ناتج التفسير الخاطئ لهذه الآيات التي تعلموها على يد أشخاص غير مؤهلين على قدر كافٍ ومتعمق، كما في قوله تعالى ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) والتي يُقصد بالأيدي فيها القوة، وكذلك قوله تعالى ( قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ) أي خائفين من العذاب وليست الشفقة والرحمة المشتقة من كلمة مشفقين.

وكذا الحال بالنسبة لبعض الأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنها صحيحة، بينما هي في الأصل ضعيفة أو موضوعة أو مكذوبة مثل ( أدبني ربي فأحسن تأديبي، والجنة تحت اقدام الأمهات ، وأطلبوا العلم ولو في الصين ) أما ذلك المعلم الذي زودنا بمعلومة جغرافية خاطئة في أحد المراحل الدراسية عن غير قصد، فلم نكتشفها إلا أثناء دراستنا الجامعية، وتخصصنا في هذه المادة.

ولدينا الكثير من مثل هذه المواقف التي لا تزال عالقة في ذهننا حتى اليوم على الرغم من مضى ما يزيد على خمسين عاماً من حدوثها غير أن المجال هنا لا يتسع لذكرها، مُؤكدين في نهاية هذا المطاف على ضرورة التحقق والتثبت من صحة المعلومات التي تُعطى للأبناء الطلاب والطالبات أحياناً من خارج ما قُـرر عليهم من قبيل زيادة معرفتهم لكيلا يقعوا في أخطاء فادحة تؤثر في تحصيلهم العلمي وعلى تراكمهم المعرفي، عوضاً عن مُجمل سلوكياتهم، فمن قال لا أدري فقد أفـتى، وأن لا أدري نصف العلم، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.