إن من أهم أساليب التربية أسلوب التحفيز الذي يدفع بالفرد إلى توليد الرغبة في تحقيق أهداف محددة.

حيث يقول ابن حزم الأندلسي (رحمه الله): “لو لم يكن من فضل العلم إلاّ أن الجُهّال يهابونك ويُحبونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه”.

فمنطوق النص يتناول قضية التحفيز على العلم، وما يصحبه من احترام وتقدير العلماء لصاحب العلم، وهيبة صاحب العلم أمام من كانوا دون ذلك.

ويفهم من النص قضية التقدير والمحبة من الآخرين، وهيبة صاحب العلم على العموم، وإكرام العلماء بعضهم البعض، ويدخل في ذلك تنشئة الفرد على حب العلم، والقدوة الحسنة في العلماء، ووجوب طلب العلم لما فيه من الخير.

فالعلم يرفع أصحابه بين الناس، فهو يفرض الهيبة والوقار للعالم بين العامة، ويجعله محبوباً وفي مكانة مرموقة بين العلماء. فهذا من أكبر المحفزات التي تدفع الناس إلى العلم.

كما يشير ابن حزم الأندلسي (رحمه الله) أن: “أجلّ العلوم ما قربك من خالقك تعالى، وما أعانك على الوصول إلى رضاه”.

ومن منطوق النص يتضح أنه يتناول مفهوم أن أفضل العلوم هو ما يُقرب العبد من خالقه عز وجل.

ويفهم من النص أمور مهمة وهي أن العلوم جميعها جليلة ومهمة، ولكن أجلها وأفضلها ما كان معيناً للتقرب من الله، فالمسلم بحاجة أكثر من غيره لأن يتقن الطهارة والوضوء الصحيح، والقراءة الصحيحة لسورة الفاتحة، وغيرها من العبادات التي يجب على الآباء تنشئة الأبناء عليها وتأسيسهم على قاعدة شرعية متينة.

ويرى بدر الدين ابن جماعة (رحمه الله) أن: “الاشتغالَ بالعلمِ للهِ أَفْضَلُ مِنْ نَوافلِ العباداتِ البدنيَّةِ، مِنْ صلاةٍ، وصيامٍ، وتسبيحٍ، ودعاءٍ، ونحوِ ذلكَ؛ وذلكَ لأنَّ نَفْعَ العِلْمِ يَعمُّ صاحبَهُ والنَّاسَ، والنَّوافلُ البدنيَّة مَقْصورةٌ على صاحبِها”.

وهنا منطوق النص يشير إلى قضية فضل طلب العلم لله، وقضية الانتفاع بالعلم والعبادة.

ويفهم من النص أن فائدة العلم تشمل طالب العلم والناس أجمعين، أما من صرف وقته للعبادات المختلفة فلا يفيد إلا نفسه والأجر والثواب خاص به.

وهنا تجدر الإشارة إلى كل مربي ومعلم أن يخلص النية لله تعالى في الاستزادة من العلم، وتعليم ابنه وتلميذه ما ينفعه في دينه ودنياه دون كلل ولا ملل ولا يتذمر ويصبر على تعليمهم؛ لينال الفضل العظيم.

وعليه فإن شرف طلب العلم لا يوازيه شرف، وعلى المربي أن يحفز النشأ على حب العلم ويبين فضله، وأن يوضح لهم فضل إقران طلب العلم لله وحده بخلاف العلوم التي يطلبها، شرعية أو دنيوية.

كما بين ذلك ابن قيم الجوزية (رحمه الله) حيث يقول: “وأيضاً فإن الله سبحانه عليم يحب كل عليم وإنما يضع علمه عند مَن يحبّه فمَن أحبّ العلم وأهله فقد أحبّ ما أحبّ الله وذلك مما يُدان به”.

فالمنطوق هنا يقودنا إلى قضية أن تعالى عليم يحب العلماء، ويعطي تبارك وتعالى علمه لمن أحبه، ومحبة ما يحبه الله عز وجل.
ويفهم من النص أن من أكرمه الله عز وجل بالعلم، فقد فضله الله على غيره من البشر، فهذا الشرف والفضل يوجب عليه أن يستزيد في طلبه للعلم، وأن يتواضع لله وللناس ولا يبخل عليهم بعلمه.

ومن جانب آخر تجدر الإشارة بمن لم يجد حظه من العلم أن يضع نصب عينيه أن حبه للعلم ولأهله يدخله في محبة الله عز وجل؛ لأنه أحب ما يحبه الله تعالى، وهذا من أكبر المحفزات للتعلم بشتى الوسائل والطرق.

وعلى وجه العموم في طلب العلم يقول أبي الحسن علي الماوردي (رحمه الله): “على أن العِلْم عِوضٌ من كُلِّ لَذَّةٍ، ومغنٍ عن كُلِّ شَهْوةٍ، ومَن كان صادِقَ النَّيَّةَ فيه، لم يكن له همة فيما يجد بدّاً منه”.

يتضح من منطوق النص الهمة واللذة في طلب العلم وإخلاص النية لله في طلبه.

ويفهم منه أن لذة العلم التي لا تضاهيها لذة، فكل ملذات الحياة المختلفة مهما بلغت نشوتها ولذتها، تقف عاجزة أمام من كانت نيته في طلب العلم صادقة خالصة.

وهذا ما يحفز المتعلم ويشحذ همته نحو طلب العلم فلا ينشغل في غير ذلك، ولا ينجرف نحو المغريات، لذلك يجب على المربي أن يغرس في نفوس الأبناء حب العلم لله والاستمتاع والتلذذ بالعلم وقضاء الوقت المناسب في نيل العلم.