ازداد الحديث مؤخراً عن المطالبة في إسقاط أو تخفيض حق النفقة عن المرأة العاملة، أحد الحقوق الأساسية التي يضمنها الشرع والقانون للمرأة المتزوجة، سواء كانت على رأس عمل، أو كانت ربة منزل، ولكن مع ارتفاع مستوى المعيشة والغلاء وتكاثر المسؤوليات والأعباء المادية على الأسر وازدياد عدد النساء العاملات تزامناً مع تشجيع وتمكين المرأة لدخول سوق العمل في المملكة العربية السعودية ارتفعت المطالبات بإسقاط حق النفقة عنها كونها قادرة على إعالة نفسها، وما بين مؤيد ومعارض لهذه المطالبات سنتطرق لهذا الموضوع من عدة جوانب دينية وقانونية واجتماعية.

الجانب الديني في نفقة الرجل على المرأة

رأي الدين واضح في مسألة النفقة حيث أوجب الإسلام على الزوج أن ينفق على زوجته ولو كانت غنية؛ لقول الله تعالى: ﴿ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عليه، رِزْقُهُ، فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق 7]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».

وكان رأي المفتي الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مسألة النفقة أيضاً واضحاً مستنداً في ذلك على ما ذكر في القرآن والسنة.

“نعم للزوجة أن تطالب زوجها بالإنفاق عليها، ولو كانت غنية ولو كانت موظفة، ولو كان لها راتب، ولو كانت تبذر راتبها مع أن الدين يرفض مبدأ التبذير، لكن لها أن تطالبه بالنفقة، وإن كانت موسرة؛ لأن الإنفاق على الزوجة ليس من باب دفع الحاجة، ولكنه من باب مقابلة العوض بالعوض، فكما أنه يستمتع منها وبها فكذلك يجب عليه الإنفاق عليها. وأما أخذ شيء من راتبها فلا يجوز؛ لأن المال مالها وهي حرة بصرفه كيفما تشاء ما لم يكن عند العقد شرط، واتفاق بينهما بأن يسمح لها بالعمل مقابل أن تعطيه نصيباً من راتبها فلا بأس بذلك”.

الجانب القانوني في إسقاط النفقة عن المرأة العاملة

علق المحامي نواف منصور العوني أنه من الجانب القانوني، فإن نظام الأحوال الشخصية والصادر مؤخراً جاء فيه صراحةً وجوب النفقة على الزوجة، ولو كانت موسرة بنص المادة الرابعة والأربعون، وجاء في ذات النظام أيضا في حالة عدم إنفاق الأب على الأبناء، فإن ما تنفقه الأم الموسرة هو دين في ذمة الأب لصالح الأم، ولذا فإن المطالبات بإسقاط النفقة عن الزوجة لسبب كونها عامله لو طبقت، فإنها تخالف الشريعة فلا يمكن أن تصدر وإلا ستكون مخالفة للنظام الأساسي للحكم الذي ذكر في مادته الأولى بأن (المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه، وسلم …) ولكون النظام الأساسي للحكم يعد القبة القانونية الأعلى فلا يصح أن تخالف الأنظمة سيادة الدستور (النظام الأساسي للحكم).

الجانب الاجتماعي في نفقة الرجل على زوجته

منذ قديم الزمن كان العرف هو أن ينفق الرجل على زوجته وأبنائه، وما زال هذا هو الجاري عرفاً في مجتمعنا، نعم لقد تغير الكثير في تركيبة المجتمع، في السابق كان من المتعارف عليه أن المرأة مكانها في المنزل وعملها هو تربية الأبناء، والرجل هو من يخرج للعمل لكسب لقمة العيش، وفي وقتنا الحالي أصبحت المرأة تنافس الرجل في سوق العمل، وتحتل جزءاً كبيراً منه، وأصبحت قوة عاملة لا يستهان بها، وتعمل يداً بيد بجانب الرجل في دفع عجلة التنمية، فهي بجانب أنها تعمل ساعات طوال على مدار اليوم لتحقيق غايتها المهنية التي لها كل الحق في متابعتها، تعود إلى منزلها، وتنزع عنها ثوب المرأة العاملة لترتدي رداء الأم والزوجة، وتؤدي واجباتها المنزلية نحو زوجها وأبنائها دون تملل، فلماذا لا نسمع أصواتاً واقتراحات بنص قانون بجانب قانون إسقاط النفقة عنها كونها امرأة عاملة تستطيع إعالة نفسها أو لإجبارها على المساعدة في نفقة الأبناء لتخفيف العبء عن زوجها، ويلزم هذا القانون ذاته الزوج على مشاركة زوجته بالأعمال المنزلية وتربية الأبناء لتخفيف العبء عنها أيضاً. فلنكن منصفين للآخرين كما نرغب في الإنصاف لأنفسنا.

مع أن الدين والقانون ينص بشكل واضح وصريح وجوب نفقة الزوج على زوجته وأبنائه بغض النظر عن حالة الزوجة المادية، وهذه أمر لا جدال فيه، ولكن مع زيادة الأعباء المادية وكثرة الاحتياجات والضغوطات المادية على رب الأسرة نشجع الزوجة المقتدرة على مشاركة هذه الأعباء مع شريك حياتها لتخفيف الضغط عن الزوج فالأساس في العلاقة الزوجية هو الرحمة فيما بينهما والشعور بمتاعب الطرف الآخر ومحاولة مساعدته والوقوف بجانبه في كل التحديات التي قد تواجههما، وفي الجانب الآخر نشجع الزوج على مساعدة زوجته في الأعباء المنزلية والتربية والاهتمام بالأولاد وشؤونهم، فالحياة مشاركة، والحياة الزوجية مثل القارب تحتاج إلى شخصين يشاركان بالتجديف لكي يصلوا لبر الأمان، وإن ازداد الحمل في أحد جوانب القارب سيختل التوازن بالتأكيد.