غالبنا يعلم ذلك المقطع البريئ ذائع الصيت ” تشارلي عض إصبعي!” أو بالإنجليزية ” Charlie bit me! “الذي نال شهرة كبيرة عالميا وحقق أعلى النسب من المشاهدات المرئية عبر منصة يوتيوب الاجتماعية، ذلك المقطع قد بيعَ قبل أكثر من عام ضمن مزاد علني كمقتنى رقمي على شكل أصل مشفر يسمى (تكنولوجيا إن إف تي / Non-Fungible Token) وتعني (الرموز غير قابلة للاستبدال)، هنا نستشرف عهدا جديدا لأصحاب الفنون والأعمال والمواد والمحتويات الرقمية غير الملموسة بأن تصبح ذات قيمة مالية كبيرة ومردود يعود لصاحبها بالنفع بما يتسق مع الحقوق الفكرية، وتقلص من أساليب القرصنة الرقمية والسرقات الأدبية؛ لأن المقتنى الرقمي أصبح نوعا من الأصول ذا شيفرة رقمية معقدة تكون حصرا لصاحبها.

حقيقة أنا لست من الاختصاصيين في العلوم المالية ولكن شجعني أحد الزملاء المعتبرين في المجال المالي والاقتصادي بكتابة مقال يوضح اللغط الحاصل – وقد نال مني- يوضح ماهية الأصول الرقمية بعدما شرح لي بشكل مختصر حولها ، فتشجعت في البحث حول الموضوع بشكل أعمق وسأتناوله بشكل مبسط قدر المستطاع لينال من أذهان مختلف العقول ومن يدري لعل هذا المقال يُباع بثمن مميز يوماً ما .

لنعرف أولا سياق المعنى والدلالات في كلمة “أصول” التي لها استخدامات ومصطلحات عديدة في اللغويات والمصطلحات الاقتصادية والقانونية والشرعية.

يقول الله- عز وجل- :
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾ سورة ابراهيم –الآية24، و نقلا عن التفسير الميسر: ألم تعلم -أيها الرسول- كيف ضرب الله مثلا لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بشجرة عظيمة، وهي النخلة، أصلها “متمكن”في الأرض، وأعلاها مرتفع علوًّا نحو السماء؟

ونقلاً عن موقع المعاني للمصدر-معجم اللغة العربية المعاصرة:
الأصول جمع “أُصل” وهو اسم ويعني لغويا أساس يُقام عليه، أوَّل الشيء ومادّته التي يتكوَّن منها، أصْل الموضوع، في الأصْل: في البداية، أساسًا.

وفي سياق المعنى الاقتصادي:
أيُّ شيء ذي قيمة تمتلكه شركة أو مؤسَّسة، وقد يكون على شكل سيولة نقديّة أو استثمارات: -تم بيع جزء من أصول الشركة لسداد ديونها –

نقلاً عن موقع المعاني للمصدر: معجم اللغة العربية المعاصرة

ثم اطلعت على الموضوعات التي تتناول الأصول المشفرة من عدة مصادر ووجدت أغلبها متفاوتة في شرح المعنى ولم أجد مصدرا يتفق في تعريف علمي واضح نظراً لحداثة الفكرة بين الأوساط العلمية ، إلا أني سأورد تعريفا من جهة رسمية نقلا عن موقع هيئة الأوراق المالية والسلع بدولة الإمارات العربية المتحدة في قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم ( 23 /ر.م) لسنة 2020 بشأن النظام الخاص بأنشطة الأصول المشفرة حيث جاءت بتعريف: (سجل داخل شبكة إلكترونية أو قاعدة بيانات للتوزيع تعمل كوسيط للتبادل أو تخزين ذي قيمة أو وحدة حساب أو تمثيل للملكية أو حقوق اقتصادية أو حق للوصول أو الانتفاع من أي نوع، يمكن نقلها إلكترونيًا من شخص إلى آخر من خلال تشغيل برنامج الكمبيوتر أو خوارزمية تنظم استخدامها).

ونقلا عن دراسة نشرتها المصرف المركزي الأردني بعنوان “العملات المشفرة” وجاء في توضحيها : (ويُشار إلى الأصول المشفرة بأنها أصول رقمية مخزنة تعتمد على تكنولوجيا السجلات الموزعة، كما تعرف بأنها تمثيلات رقمية مشفرة لقيمة أو حقوق تعاقدية تعتمد على تكنولوجيا السجلات الموزعة ويمكن نقلها أو تخزينها أو تبادلها إلكترونياً).

وكما أسلفت حول المقطع المشهور وكيفية بيعه ربما سيساهم من تقليص الفجوة المعرفية نحو الأصول المشفرة مما يثير فضول المهتمين شيئًا فشيئا نحو إدراك وحاجة لفهم الأصول المشفرة التي باتت تغزو عالم المال والاستثمار والتكنولوجيا وكونها من إحدى وسائل الحفاظ على الحقوق للصناعات الثقافية.

أخيراً نعيش زمن الثورة الصناعية الرابعة وأحداثها تخطو بوتيرة متسارعة .. والأصول المشفرة هي إحدى مخرجاتها وهي من الاستثمارات الجديدة عالية المخاطر ، وتوجد دول لا تعترف بها ودول ما تزال تدرس مواءمتها وترخيص نشاطها بحيث تخضع وتمتثل للقواعد والتشريعات كأداة استثمار مالية لها ما لها وعليها من تدقيق حول جرائم غسيل الأموال ودعم الجماعات الإرهابية، ومدى امتثالها للمعايير والمتطلبات الدولية والمحلية حماية لأمنها القومي، إلا أن حداثتها وطبيعتها تشكل تحديا وتعقيداً على الجهات المعنية نظرا لارتباطها في بيئة التكنولوجيا المالية والتي تتطلب وجود باحثين على مستوىً ملم بالتكنولوجيا ومتمكن في الاقتصاد المالي.

إلا أنه يكمن أهمية تعاطي المسألة بين الناس بوعي وعدم الانجرار للإعلانات الترويجية المضللة عبر مختلف القنوات والأخذ بالحسبان شرعيتها الدينية والقانونية.