في عام 1343 هـ، وقعت أحداثًا ومتغيرات كثيرة بعدما تنازل الشريف حسين عن عرش الحجاز لابنه علي؛ ليجد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – الفرصة سانحة أمامه للذهاب إلى مكة المكرمة وإعادة الأمن والأمان إليها ورفع المظالم عن أهلها.

دخول الملك عبدالعزيز مكة

دخل الملك عبدالعزيز على أبيه الإمام عبد الرحمن – رحمهما الله- في الرياض فقبل يديه، وتزود بدعائه ورضاه واحتشد من في الرياض لوداعه ، فكان مما قال لهم: “إني مسافر إلى مكة ، لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم عنها.. إني مسافر إلى مهبط الوحي، لبسط أحكام الشريعة. ولن يكون في مكة بعد الآن سلطانا لغير الشرع”، وكان سفره من الرياض، على الذلول ، يوم 13 ربيع الثاني 1343 هـ (11 نوفمبر 1924) ومعه جمع كبير؛ حيث قيل أن حاشيته فيه وحدها كانت تقرب ثلاثمئة هجان.

وضم الليث والقنفدة، وضبطت رابغا وينبع النخل والعلا، وفتح الطريق بين مكة وهذه الجهات، واستسلمت حامية المدينة المنورة إلى الأمير محمد بن عبدالعزيز – رحمه الله- ورحبت جدة بالملك عبدالعزيز وأسدل الستار على ما كان يسمى العرش الهاشمي في الحجاز ليسود حكم الدولة السعودية الذي أنعم خلاله الأهالي.

كلمة الملك عبدالعزيز لأهل الحجاز

وجه الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بلاغًا عامًا هامًا إلى أهل الحجاز عند دخول مكة المكرمة ومغادرة الشريف علي وقبله أبيه حسين لجدة والذهاب إلى العراق بعد تسلم الملك عبدالعزيز لها.

وقال الملك عبدالعزيز – رحمه الله- في كلمته التي وردت في كتاب “الوجيز” في سيرة الملك عبدالعزيز للمؤرخ خير الدين الزركلي:

“من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، إلى إخواننا أهل الحجاز سلمهم الله تعالى.. السلام عليكم ورحمة الله. وبعد فإني أحمد الله الذي صدق و عده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأهنئكم وأهنيء نفسي بما من الله به علينا وعليكم. من هذا الفتح الذي أزال الله به الشر. وحقن دماء المسلمين، وحفظ أموالهم، وأرجو من الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه ومتبعي هداه”.

وتابع الملك عبدالعزيز، رحمه الله:”إخواني: تفهمون أني بذلت جهدي . وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه إطاعة لأمر الله. وقال جل من قائل: “وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” وقال تعالى : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ، ولقد كان من فضل الله علينا وعلى الناس. أن ساد السكون والأمن في الحجاز من أقصاه إلى أقصاه بعد هذه المدة الطويلة التي ذاق الناس فيها مر الحياة وأتعابها. ولا من الله بما من، من هذا الفتح السلمي الذي كنا نتتظره ونتوخاه، أعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد ، وأما الجرائم الأخرى فقد أحلت أمرها للقضاء الشرعي ، لينظر فيها بما تقتضيه المصلحة الشرعية في العفو”.

وأضاف: “وإني أبشركم – بحول الله وقوته – أن بلد الله الحرام في إقبال وخير . وأمن وراحة ، وأني إن شاء الله تعالى ، سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ، ويجلب الراحة و الاطمئنان لها .لقد مضى يوم القول ووصلنا إلى يوم البدء في العمل؛ فأوصيكم ونفسي بتقوى الله واتباع مرضاته، والحث على طاعته فإنه من تمسك بالله كفاه، ومن عاداه – والعياذ بالله – باء بالخيبة والخسران. إن لكم علينا حقوقا، ولنا عليكم حقوقا؛ فمن حقوقكم علينا النصح لكم في الباطن والظاهر. واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم إلا بحق الشريعة، وحقنا عليكم المناصحة، والمسلم مرآة أخيه؛ فمن رأى منكم منكرة في أمر دينه أو دنياه فلیناصحنا فيه؛ فإن كان في الدين، فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان في أمر الدنيا فالعدل مبذول إن شاء الله للجميع على السواء”.

واختتم الملك عبدالعزيز رحمه الله:” إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون . لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة . وإني أحذر الجميع ، من نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار . فاني لا أراعي في هذا الباب صغيرة ولا كبيرة. وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره. هذا ما يتعلق بأمر اليوم الحاضر ، وأما مستقبل البلد ، فلابد لتقريره من مؤتمر يشترك المسلمون جميعا فيه مع أهل الحجاز ، لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحه. وإني أسأل الله أن يعيننا جميعا ، ويوفقنا لما فيه الخير والسداد”.