– التعدّي، قال تعالى:
‏﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

‏وحب إشاعة الفاحشة هنا هو إذاعتها ونشرها على الملأ، ويُعدُّ تَعدٍّ صريح إما على القيم أو المبادئ أو غيرها ممن يكون فيها تغيير الأشياء عن فطرتها وسلوكها السوي، وهي خلقٌ بشع، وأبعد ما يكون عن الفطرة السوية التي تنسجم دائمًا مع كل ماهو حسنٌ وجميل، ومُحب إشاعة الفاحشة كالفاعل في الإثم.

عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال:

‏( العامل الفاحشة، والذي يشيع بها، في الاثم سواء).

ومن أنواع حب إشاعة الفاحشة استخدام أسلوب الترويج للفضائح الملفقة وقلب الحقائق والتدليس على الناس والمتعلقة بالشخصيات التي تحتل مكانة في النفوس كالحاكم، ويكون الهدف في هذه الحالة هو زعزعة الثقة بين الحاكم والمحكوم واسقاط الدولة أكثر من هز صورة شخص بعينه.

‏عن عمر رضي الله عنه قال: “إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ”.

المراد بها هو التحذير من نقل الباطل، وتداول مقالاته وأحداثه، حتى ولو كان هذا النقل في صورة التحذير منه؛ فإن في نفس التحذير منه إشاعة له، ومن أمثلته:
‏- كما لو قال إنسان مغمور كلامًا، فلو تُرك، مات قوله، ولم يلتفت إليه أحد، ولو حُذر منه لذاع وانتشر، وحصل مقصود صاحبه من نشره وإشاعته.

‏- مايظهر في السوشل ميديا من المشاهير التافهين بالتحذير منهم بالاسم ونشر مقاطعهم المخلة، فيكون الفضول من الناس بالبحث والإطلاع على ما يقدمه هؤلاء، وقد يوافق أهواء البعض فيزداد جمهورهم وتزداد شهرتهم، فتكون بذلك قد قدمت لهم دعاية لهم بالمجان دون أن تعلم، وكنت تظن بأنك ستصرف الناس عنهم فصرفتهم إليهم، فكل ممنوع مرغوب ومتبوع.

‏وهناك أمور قد يجهلها البعض حتى يتم مهاجمتها وإشاعتها فتظهر لهم ويتبعونها.

‏- ما يقوم به بعض الشواذ الذين يريدون من وراء كلامهم لفت الانتباه والتفاعل واعتياد الناس على شذوذهم بالجدال والتكرار وتزيينه بمصطلحات خداعه وخبيثة بداعي الحرية، فالرد عليهم وشن الهجوم عليهم قد يحقق الهدف المنشود لهم، فعندما تتعلّم الرماية؛ يجب أن تتعلّم معها الترفّع عن بعض الأهداف.

‏لو فُعِّلَ هذا الأمر في وسائل التواصل بشكل صحيح لماتت أشياء كثيرة أريد بها نشر الفساد وإحياء الباطل.

‏وهذا لا يعني عدم الإنكار على صاحب الباطل، أو النصح له، فيكون ذلك دون إعلان، كأن يراسل ويناصح، أو يُحجّم، أو يُحاكم، ولا يحذر منه على الملأ.

‏وقد تُنكر المقولة على الملأ لكن لا يذكر صاحبها منعا لإشهاره والدلالة عليه.

‏وبالإجمال:
‏هذا باب من الفقه تراعى فيه المصالح والمفاسد والمآلات.

‏- التصدّي: وهو الرد على الأعداء المهاجمين المعتدين، سواء كان الاعتداء على النفس أو الدين أو الوطن أو المال، فالتصدّي للمعتدّي هو حفظ للحقوق ووسيلة استقرار وردع لمن تسول له نفسه بذلك.
‏وما نحن بصدده في هذا المقال هو التصدّي للمهاجمين والمعتدّين على الوطن، فحب الوطن غريزة والدفاع عنه فرض على كل من هو قادر عنه بفكره بجسده بحجته بماله لحفظ النفس والأمن والأمان والنعم الكثيرة التي لو وقعت في يد المعتدّي لنهبها ونهب خيرات ومقدرات الوطن وكنوزه، ثم عاث في الأرض الفساد، فكل هذه الأمور تستحق من يدافع عنها، وأن يقدم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها.

‏قال تعالى:
‏﴿ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾
‏وهاهنا قد أطلق الاعتداء على الاقتصاص من باب المقابلة، كما قال عمرو بن أم كلثوم:

‏ألا لا يجهلن أحد علينا
‏فنجهل فوق جهل الجاهلينا

‏لفت انتباهي المقطع الساخر في قناة MBC السعودية وكان عبارة عن وصف حالة بايدن، مما لقي له صدى واسع وكبير جدًا بين أوساط الشعب الأمريكي، وكانت ردود الأفعال متباينة ما بين متألم من حال أمريكا الذي وصلت إليه، وما بين ضاحك وساخط.

وقد اعجبني كثيرًا جزء من رد صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على التعاطي الأمريكي مع هذا المقطع الساخر في مقاله الجميل بقوله:
‏”لقد قاومنا وصمدنا لفترة طويلة أمام السخرية منا في وسائل الإعلام الأمريكية، ومن العدل فقط أن تتحمّلوا وتصمدوا أمام إستهزاءاتنا الكوميدية، “دعونا نضحك معًا”.

‏وأخيرًا:
‏- التعدّي: هو إشاعة الباطل.
‏- التصدّي: هو مقاومة الهجوم.

‏حفظ الله بلادنا وحكامنا من كل سوء، ورد كيد الحاقدين والحاسدين في نحورهم.