«الطيور على أشكالها تقع» تختصر هذه الحكمة كثيراً من السلوك البشري، ففي محيط العمل ـ على سبيل المثال ـ تجد الأشخاص ذوي الطاقة السلبية« الشكَّائين البكَائين» يتقاربون وتَأتلِف أرواحهم، وتجد كذلك الإيجابيين وغيرهم من الأنماط الشخصية تقع على أمثالها تماماً كالطيور، وأحياناً تريد أن تعرف أين موقعك من هذه الأنماط، وكيف تهرب من السلبيين، وكيف تلتحقُ بركب الناجحين؛ فالنجاح يُعدي، والكآبة كذلك.

النفساني والفيلسوف الأمريكي «ديفيد هاوكنيز» وضع ما يُسمى بمقياس الوعي أو سُلَّم هاوكنيز لمعرفة وعي الإنسان، وهو يحدد أنماط الوعي لدى البشر، وبواسطة سلوكك اليومي ودرجة تفاعلك مع أحداثك اليومية تستطيع أن تحدد موقعك في السلم الهاوكينزي الذي قسَّمه إلى مستويات أربعة ولكل مستوى درجاته من 1000 درجة على شكل سلم تبدأ قاعدته بالمستوى الأول ودرجاتهم في الترتيب أقل من 200، ومشاعرهم سلبية وعددها ثمانية وهي على التوالي العار والذنب والخمول والأسى والخوف والشهوة والغضب والكبرياء. ويسمى هذا المستوى بالمرحلة الخطرة في الوعي،لأنه يُؤثر في صحة الإنسان العقلية والنفسية.

ولكل سمة من هذا المستوى ما يُسمَّى بالإحساس والنظرة إلى الحياة. فمثلاً الواقعون في مستوى العار (وهو أدنى المستويات) إحساسهم هو الشعور بالذُّل واحتقار الذات والميل إلى العُزلة والانطواء، ونظرتهم إلى الحياة تعيسة.

ويُقاس عليها بقية المستويات الخطرة الذي وضع لها هاوكينز صفات سلوكية تميزها عن سابقتها ولاحقتها.

وهؤلاء البشر في هذا المستوى يُفضّل الابتعاد عن محيطهم السلبي، ومحاولة علاجهم إن كانوا ممن تجب عليك صلة رحمهم، وإلا فسوف يؤثرون في مستوى مزاجك وفي تعاطيك مع الحياة، واحذر أن تتابع هذه النوعية في وسائل التواصل الاجتماعي، فالطاقة السلبية معدية، وفعلا هؤلاء هم الشكَّاؤون البكَّاؤون.

وبعد هذه المرحلة الخطرة تأتي المرحلة العادية في الوعي، وتُوصف بأنها أدنى مراحل الوعي، وهي الشجاعة والحِياد، ثم المرحلة الايجابية وهي ثلاثة أقسام الرغبة والتسليم والحكمة.

ثم مرحلة قِمة الإيجابية وهي ثلاثة أيضاً الحب والفرح والسلام، وأخيراً المرحلة الرابعة وهي مرحلة الاستنارة وهي أعلى مراحل التنوير وهو وعي خالص من خلال الاتصال بالله والتجلي والتأثير على البشرية (خاص بالأنبياء والرسل).

وحتى يعرف الإنسان درجة وعيه وموقعه – بحسب سُلَّم هاوكينز– يلزمه التعرُّف إلى مشاعر كل مرحلة. فمثلاً الاستنارة مشاعرها المثالية، والحياد مشاعرها الثقة، والغضب مشاعرها العدائية، والخمول مشاعرها اليأس، وهكذا.

ورغم أهمية هذا المقياس في التدريب الأخلاقي والسلوكي وتهذيب النفس البشرية والارتقاء بها، وكذلك أهميته في معرفة أين موقعك بين البشر، وما السلوك المرغوب للتعامل الإيجابي، وكيف تتخلص من السلوكيات السلبية، إلا إن المقياس واجه انتقادات كثيرة، لابتعاده عن توظيف التوجيه الديني الصحيح، والتركيز على الفضائل الروحية على حساب متطلبات الجسد، وإغفال بعض الفضائل كالإيمان والعفة والصبر والعدل.

ولكن رغم كل الانتقادات يبقى المقياس أو سلم هاوكينز أداةً مهمة لتصنيف درجة الوعي ومستوى السلوك الإنساني، والحكمة ضالة المؤمن؛ فمن الجميل أن نقول كلما كبرنا«كنتُ أُكَابر أظنُني عَلَى حق، فلما كبرتُ عرفتُ أن الحقَ عليّ»، ورحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي.