المجتمع الأمريكي مجتمع طيب، مجتمع يختلف عن المجتمعات الأوروبية في احترامه للآخرين، وفي حسن تعامله وتواضعه معهم، نحن نتكلم عن أفراد.

ولكن في السياسة تختلف الأمور، فالسياسة لا توجد فيها لغة المحبة والاحترام، توجد فيها لغة المصالح. فهناك مصطلح يتداول لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ولكن توجد مصالح هي التي تقرر الصداقات والعداوات.

كانت قديماً الدول الأوروبية تقول حدودي هي حيث تصل سفني، وحيث تصل مدافعي، فكانت الإمبريالية وما جرى منها من استعباد للأمم الأخرى واستغلالٍ لثرواتها من أجل تنمية دولها ولرفاهية شعوبها. وأبسط مثال على ذلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ” بريطانيا العظمى “.

أما اليوم اختلف الوضع وأصبح مصطلح الحدود الشفافة يحل محل الحدود التقليدية، وهي أين تقع مصالحي هذه هي حدودي.

المجتمع الأمريكي بطبيعته هو مجتمع متنوع الأعراق ومجتمع مهاجرين. وهاتان الخصلتان تجعلان من المجتمع يعاني من ارتباك في الهوية ما بين غموض وقلق. الغموض في حالة المجتمعات المهاجرة من بلدانها إلى أمريكا للبحث عن بلد الأحلام، بلد الفرص، بلد الثراء كما يقال، بلد الحرية، ولكن يصطدموا بازدواجية المعايير مما يجعله في حالة تيهان بين تمسك بالعادات من البلد الأم أو بالاندماج بالعادات الجديدة في بلد المهجر، وتكون أكثر إيلاماً لأبنائهم الذين يتيهون ما بين ما ورثوه من آبائهم وما وجدوا أنفسهم عليه من مبادئ وقيم هي مختلفة عن ما نشأوا عليها وحالة القلق تتم من عدم وجود قواسم مشتركة فيما بينهم ولا يوجد إلا القاسم المادي الذي أتوا من أجله والحرية المؤطرة باسم القانون الذي لا يحمي المغفلين.

تحاول الحكومات الأمريكية المتعاقبة دائماً في جعل المجتمع الأمريكي مجتمعاً متماسكاً إما بواسطة خداعهم بالوعود البراقة لمنتخبيهم منذ بداية الحملات الانتخابية بنشر الديمقراطية في العالم وحماية حقوق الانسان وحرية التعبير وغيرها من الوعود، وأنه ينبغي على الدول الأخرى أن تكون قيمها متوافقة مع القيم الأمريكية، متجاهلين بذلك اختلاف الثقافات والعادات والقيم بين المجتمعات البشرية. أو بواسطة خلق الأكاذيب على الشعب الأمريكي وتخويفه من الآخرين، عن طريق صناعة الأعداء، فخلقت عدواً وهو الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي وكان نتاجها الحرب الباردة، وما دار خلالها من أحداث مثل حرب فيتنام وخليج الخنازير ” مسألة كوبا ” وغيرها، حتى انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه عام 1991.

عبر كريستوف ريفـان بعد نهاية الحرب الباردة في قوله: “لقد أصبنا بخوف شديد، انهيار العدو السوفياتي الذي كنا نعتمد عليه كثيرا منذ خمس وأربعين سنة من أجـل تخويف أنفسنا، أدخل الديمقراطيات في كآبة كبيرة”. وظهر كتاب “صراع الحضارات” لمؤلفه صامويل هنتنغتون، ليدعم هذه الفكرة وليمهد في دراسته على ضرورة وجود الأعداء، وحَمْلَ الكره للآخرين، فقال: “ليس هناك أصدقاء حقيقيين بدون أعداء حقيقيين، إننا ما لم نكره الآخرين، فلن نستطيع أن نحب أنفسنا”، واعتبر وجود الأعداء شيئاً جوهرياً. وبدأوا في البحث عن عدو جديد حتى تبقى الدولة متماسكة ومحتفظة بهويتها المصطنعة تجاه خطر محدق بها. ويهدف هنتنغتون إلى بقاء المواطن الأمريكي محافظاً على حالة الحرب حية في ذهنه، وخلق مبررات جديدة لصناع القرار داخل البنتاغون والمؤسسة العسكرية الذين فقدوا مبررات بقائهم بعد نهاية الحرب الباردة. وعندما انحسر التهديد السوفياتي، احتاجت الولايات المتحدة إلى عدو جديد وفي يوم 11 سبتمبر 2001، أعلن هنتنغتون “أنهى أسامة بن لادن بحث أميركا عن عدو”.

يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه ” الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق ” إن الأمم العظمى أو الدول العظمى، تبحث عن العدو أكثر مما تبحث عن الصديق، لأن العدو هو الذي يخدم مصالح هذه الدول في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الدول الأخرى واستغلالها. ولذلك لا نستغرب هذه الهجمة الشرسة على المملكة العربية السعودية وللأسف بمساعدة من قدمت لهم المملكة العربية السعودية يد العون وحمتهم من السجون والتعذيب والقتل، بأن كان رد الجميل منهم التأليب ضد من وفر لهم الحماية والأمان بعد الله.