المشي على البيض، مصطلح يستخدمه الغربيون للتعبير عن الحذر، و«نظرية النعامة» تساند هذه الفكرة أيضاً، فما العلاقة بين البيض والنعامة وبين ما نريد قوله هنا؟
في تراث كثير من الأمم وأساطيرها يُرمز للنعامة بالهروب من واقعها السيئ دون أن تواجهه لأنها تدس رأسها في التراب للاختباء من العدو ظناً منها أنه لا يراها، والنعامة من فصيلة الطيور، وهي تحاول الطيران بتحريك جناحيها بقوة ولكن دون فائدة، وهي رغم ذلك لم تيأس فهي تعيد المحاولة مرات كثيرة رغم عدم جدواها، والبعض من البشر يُفضل البقاء في دائرة الراحة؛ فلذلك لا يفكر بأن يغّير من واقعه السيئ، و لم يحاول مجرد محاولة على الأقل كما تفعل النعامة.

ولكي تخطو خطواتك الأولى نحو التغيير تخلّى عن فكرة المشي على البيض، واترك الحذر والمخاوف جانباً، وانظر إلى الأشياء كما هي لا كما تُحب أن تكون، ولابد أن تؤمن أن أي تغيير في نمط حياتك وعلاقاتك سيكون له ثمن يجب أن تدفعه، فلذلك من المفيد أن توازن بين الإيجابيات والسلبيات لترى أن لكل تغيير ثمناً يستحق المغامرة.

وسأتحدث هنا عن التغيير في العلاقات مع من حولنا، فالعلاقات الناجحة أو الفاشلة تلعب دورها في أن نكون معهم أو بمعزل عنهم، ومفهوم «إدارة التنوع» مفهوم حاسم في بناء علاقات فعّالة مع الآخرين، فنجاحُك في تقبل تنوُع الآخرين سيمنحُك قدرة رائعة للتعبير عن أفكارك بحريّة منضبطة، والشعور الخفي بالرضا عن الذات المندمجة في مجتمعها، وزوال التوتر الذي ينشأ من الحذر في التعاطي مع بعض الأنماط الشخصية المُثيرة والمؤثرة، وستنجح بعد ذلك في بناء علاقات ممتدة تتكشف فيها مواهبك وقدراتك في نظر الآخرين، وبالتالي تعزيز القيم الشخصية في بيئة التنوع.

يقول عالم النفس د/ ماك قرو «McGraw»:
«عندما يغضب الناس ويثورون فلأنهم لا يملكون الجرأة للتعبير علناً عن مشاعرهم الحقيقية»، فالبعض قد يتهرب من المواجهة في موقف حواري معين تجنباً لإيذاء مشاعر الآخرين؛ فيكبح مشاعره هرباً من إرباك نفسه وخصوصاً في محيط العمل؛ حيث تتراكم عليه قضايا مؤجلة تجعل من علاقات العمل على المَحَك، وكل الذي يفعله إزاءها هو دس رأسه في التراب، ولكن يبقى التساؤل: إلى متى يتقمص دور النعامة؟

ولتجنب ذلك احصر نوعية المشكلات التي تواجهها في محيط العملي والاجتماعي، ثم بادر بمواجهتها وحلّها أولاً بأول وتقدم خطوة إلى الأمام في كل مرة، ستجد نفسك بمرور الوقت قد تخلّصت من أشياء تبدو لك مستحيلة، ولكن هذا المستحيل لا وجود له إلا في عقلية«النعامة». والتعامل بحذر مع الآخرين سببه الوحيد أن الأشخاص الذين نتعامل معهم نراهم مختلفين عنّا والحقيقة أن الاختلاف المزعوم لا وجود له إلا في عقليتنا فقط؛ فالناس في الغالب متشابهون، وهذا يسهّل من مهمتنا في التعاطي مع حقوقنا دون حذر. ومن المؤسف أن نقول إن الشخص الغارق في صراعات متنوعة لا داعي لأكثرها سيكون شخصاً غير منتج على الإطلاق.

علاقاتك مع المجتمع المحيط تستحق المغامرة، كل ما عليك هو أن تبدأ بخطوتك الأُوْلَى والأَوْلَى. يقول الأديب الروسي العظيم ليو تولستوي «الكل يفكر في تغيير العالم، لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه».

يا صديقي:
اخرج رأسك من الرمل، وليذهب البيض إلى الجحيم.