مدرسة الفلاح بجدة هي المدرسة التي ترعرعت وأكملت فيها جميع المراحل التعليمية وهي من أقدم المدراس التاريخية بمدينة جدة وتعد أول مدرسة في الجزيرة العربية وتقع في حارة المظلوم والتي أسسها تاجر اللؤلؤ السعودي الشيخ محمد علي رضا زينل وساعده في ذلك الشيخ عبدالرؤوف جمجوم في عام 1323 هجري الموافق 1905 ميلادي وبعد ذلك أصبحت مدرسة حكومية تخرج منها الكثير من أهالي جدة (وأنا أحدهم قبل أكثر من 40 عاما) ومنهم الوزراء ورجال الأعمال والأطباء ومدراء البنوك والضباط والمهندسون والسفراء والطيارين وأدباء وشعراء ومفكري الحجاز، ويطلق عليها أيضا اسم المدرسة الجامعة وتضم الثلاث مراحل التعليمية : الابتدائية والمتوسطة والثانوية .

موقع المدرسة في مدينة جدة:

يقع هذا الصرح التعليمي في قلب مدينة جدة من ناحية الشمال الشرقي وتعتبر جزءا من حي المظلوم الشهير وهو أحد أقدم أحياء جدة التاريخية مع حارات الشام والبحر واليمن ويحدها من الشرق سور جدة القديم ومن الشمال والغرب برحة الكدوة (سابقا) ومن الجنوب سوق البدو وباب مكة، وسبب تسميتها بالفلاح تيمنا بما يدعوا به المؤذن في كل أذان “حي على الفلاح ” وتفاؤلا بكلمة الفلاح في الدنيا والآخرة.

دور المدرسة في التعليم وأعضاء إدارتها:

لقد كانت مدرسة الفلاح ومازالت هي الشعاع التعليمي وضوء المعرفة قبل ومع بداية العهد السعودي الذي أنار طريق العلم ومحاربة الجهل والأمية في مدينة جدة، وذلك بتخريجها لأجيال مختلفة من المتعلمين والمثقفين الذين ساهموا في تطوير ونمو الدولة السعودية فيما بعد في المجال العلمي والفكري والأدبي والمالي والتجاري وأيضا السياسي والصناعي ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض المدراء الذين قاموا بإدارة هذه المدرسة في فترات مختلفة أمثال الأساتذة : محمد الحسيني ، إبراهيم ضياء ، حسن مطر ، عمر بكر حفني ، عبدالوهاب نشار ، صالح الخزامي ، علي باعشن ، علي السكري ، إبراهيم مهدي ، ومن المدرسين أمثال : فيصل بن مبارك ، حسن علي عطية ، فوزي دسوقي ، حلمي محمد نجم ، جمال الدين مصطفى ،أحمد سرحان ، محمد مطر ، حمزة سعداوي ، محمود عبده ، معتوق سيد ، أحمد مصري ، أحمد المرزوقي ، عبدالله البار ، عبدالقادر عطية ، محمد سرحان ، إبراهيم المكتوم ، سالم أشرم ، محمد علي مسعود ، محمد حسين صديق ، محمد حامد الفقي ، عبدالوهاب عبد الدائم ، محمد سعيد عبدالملك ، أحمد علي ، عبدالله العمري ، أحمد عبد الدائم ، عيسى خروبي ، عجلان الشهري ، علي بابعير ومحمد نجيب ، رحم الله من توفى منهم وحفظ الأحياء منهم وبارك لهم فيما تبقي من أعمارهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء.

الهدف من إنشاء مدرسة الفلاح بجدة:

كان الهدف الأساسي من ذلك هو تعليم المجتمع في ذلك الزمان ومحاربة الجهل والأمية وتوريث العلم وعنوانا للامعين، وأستمر هذا الهدف بالتركيز على العلوم الدينية والعلوم الحديثة مع اعتبار أن العلوم الدينية هي نظام الحياة والمجتمع وأما العلوم الأخرى فهي مقومات مساعدة لبناء المجتمع الصالح المتمدن لا غنى عنها مع إعلاء شأن القرآن الكريم واللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم.

وحرص المؤسس -رحمه الله- مع جميع من أعانه على مجانية التعليم من خلال الرعاية الأبوية للأيتام والفقراء والمتفوقين من طلاب هذه المدرسة ودعمهم ماديا ومعنويا واستقطاب الكفاءات التعليمية من مخرجات المدرسة خاصة عالية الجودة مع الحرص على تقويم السلوك الطلابي والتأثير الإيجابي على الأخلاق والتربية والولاء لهذا الصرح التعليمي ، وأذكر شخصيا كلمة قالها لي مدير المدرسة الأستاذ علي السكري -رحمه الله- عند استلام شهادة الثانوية العامة وهي : يا بني ضع هذه المدرسة في قلبك وعقلك ، وهو دليل واضح على تأصيل العلاقة بين المدرسة والطلاب الخرجين منها .

دعم الدولة السعودية لمدرسة الفلاح بجدة:

عندما سمع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بمدرسة الفلاح حرص على زيارتها عند دخوله مدينة جدة وذلك للدور البارز والكبير الذي تقوم به المدرسة في مجال التعليم والمعرفة والقضاء على الجهل والأمية والتي كانت من اهتمامات الملك عبدالعزيز في بناء الدولة السعودية ، وكانت المدرسة قد واجهت صعوبات مالية قاسية في مرحلة من تاريخها بعد معاناة المؤسس في تجارته والإنفاق على المدرسة ، وعلم الملك عبدالعزيز بهذه الأزمة وأمر بفرض رسم جمركي بنسبة 1% على الطرود الواردة لموانئ المملكة لتكون دعما لمدارس الفلاح وسمي ذلك المشروع ” بمشروع القرش ” وأستمر ذلك حتى نهاية عام 1376 هجري ثم أستبدل بمساعدة مالية سنوية من وزارة المعارف (سابقا) التي أشرفت على المدرسة ماليا وإداريا وقامت بتوظيف المعلمين وتوفير كافة مستلزمات التعليم لمدرسة الفلاح بكافة مراحلها.

ومن مواقف الملك خالد بن عبد العزيز -رحمه الله- مع المدرسة عندما كان وليا للعهد في الحفل الذي أقيم على شرفه في حي المظلوم بجدة، من قبل وفد كبير من الحي يمثله عمدة حي المظلوم وكبار أعيان الحي، أنه تبرع ببناء جناح كامل للمدرسة على نفقته الخاصة في ذلك الوقت.

مراحل تطوير المدرسة عبر التاريخ:

بدأت المدرسة بغرفة صغيرة في أحد منازل سكان جدة ثم انتقلت إلى بيت محمد علي أكبر ثم بيت الجمجوم ثم آخر بيت هو بيت الميمني، إلى أن قام المؤسس –رحمه الله- بشراء الدار التي تقع فيها المدرسة الابتدائية، بمباني محدودة وقديمة ثم بدأ المؤسس –رحمه الله- ومن كان معه من الداعمين بتوفير كل التسهيلات لتطوير وتوسيع المدرسة مع زيادة الطلاب والمراحل الدراسية فأنشأت المباني الإضافية لتوسعة الطاقة الاستيعابية ومنها الثانوية التي أنشئت على نفقة الشيخ محمد محمود زاهد سنة 1376 هجري، حتى أن بعض ملاك الأراضي المجاورة تبرعوا بها للمساهمة في التطوير والتوسعة ، وتم تزويدها بكافة الإمكانات العلمية والتعليمية لاستمرار عجلة التعليم، وتضم المباني الجديدة العديد من المعامل العلمية للفيزياء والكيمياء والحاسب الآلي واللغة الإنجليزية ، وأصبحت كل مرحلة دراسية مستقله عن الأخرى بمبنى وإدارة خاصة لمزيد من التخصص والإبداع في المسيرة التعليمية، حيث صنفت أمانة مدينة جدة مبنى مدرسة الفلاح ضمن المواقع الأثرية التاريخية من الدرجة الأولى وأحد أهم معالم جدة الحديثة.

ويتميز المبنى الجنوبي (مبنى الابتدائية) بأنه باكورة الأساس للمدرسة التاريخية وتعلوه عددا من القباب، وأما القبة الكبرى فهي التي كانت تحتضن مراسم التخرج بتدرج الطلاب في مراحل التعليم حتى يصلوا أليها معلنين بذلك إكمالهم لجميع المراحل الدراسية، وكان الشيخ محمد علي زينل حريصا على الخريجين والمتفوقين منهم بابتعاثهم للتعليم في مصر والهند لإكمال دراساتهم العليا في ذلك الوقت.

كما أشرف الشيخ محمد علي زينل على المدرسة منذ إنشائها حتى توفي رحمه الله في عام 1389 هجري، وقد ساهم عددا من الفضلاء بوقف ما يقارب الواحد وعشرين عقارا لصالح المدرسة التاريخية.

والجدير بالذكر هنا العلاقة الطيبة التي تربط طلاب الفلاح بمعلميهم وتواصلهم الدائم بصفة دورية إما شهريا أو عن طريق الحفلات السنوية التي يقيمها الطلاب الخريجين لتكريم المعلمين بالتعاون فيما بينهم وعلى نفقتهم الخاصة والحريصين على استمرار هذه العلاقة وتقوية أواصر المحبة والتواصل على مختلف الأجيال التعليمية مثل الأستاذ محمد نجيب الذي مازال على تواصل مع الطلاب من السودان حتى يومنا هذا.

والموقف الذي لا أنساه أبدا ومازال عالقا في ذاكرتي هو عندما كانت أسماء الطلاب المتفوقين تذاع في المذياع (الراديو) في ذلك الوقت وكان اسمي قد أعلن ضمن الطلاب العشر الأوائل لمدينة جدة للشهادة الابتدائية وكان والدي -رحمه الله- فخورا بذلك وكنا نسير معه في سوق البدو حيث عمله، ويسأله أصدقائه التجار: من من أبنائك الذي أذيع أسمه في المذياع ؟ وكان يؤشر بيده علي والفرحة تملأ قلبه سعادة وفخرا.

وأخيرا رسالة شكر مليئة بكل الحب والتقدير والاحترام والدعوات الخالصة للمرحوم بإذن الله المؤسس الشيخ محمد علي رضا زينل وكل من أعانه وساهم معه من أجل إنشاء واستمرار وتطوير هذه المدرسة التاريخية وجميع مدرائها ومعلميها وطلابها الذين تعلموا وعلموا في هذا الصرح المبارك بمختلف أجيالهم وأخص منهم أحبابي وزملائي الذين أكملت معهم المراحل التعليمية الثلاث في مدرستي الغالية “مدرسة الفلاح بجدة “.

إحدى الصور من الصف الثالث متوسط في فصول مدرسة الفلاح عام 1399/1400 هجري