“أنا ومن بعدي الطوفان” قالتها السيدة بومبادور زوجة الملك لويس الخامس عشر. والمعنى الذي قصدته أنه لا شيء يهم، أنا فقط، أما الناس والدنيا فلتذهب إلى الجحيم.

الواقع الذي نعيشه أصبح مرًا للغاية أو بالأصح البشر الذين نعاشرهم، فهم أيضا جزء من الواقع الذي نعيشه. نعيش مع أناس هم كالظلال حولنا، مهما كانوا قريبين منا. إن من المؤلم حقًا هو أن نتعايش مع أناس كل ما يهمهم هو فقط مصالحهم الذاتية والذين يطبقون بحياتهم المعتقد الذي يقول: “أنا ومن بعدي الطوفان.”

قبل عدة سنوات كنت أعمل بوظيفة متواضعة جدًا، وكان العائد المادي من تلك الوظيفة ضعيف جدا ولا يكاد يفي باحتياجات أسرتي، ففكرت أن أعمل مشروعا يمكن من خلاله تحسين الوضع المادي لي ولأسرتي، وبعد تفكير طويل قررت أن افتح صالون نسائي وخاصة أن لي خبرة بهذا المجال. وبالفعل اقترضت مبلغ من المال وبدأت بتنفيذ ذلك المشروع المصغر.

استأجرت غرفتين صغيرتين من إحدى الأقارب وقمت بترميم تلك الغرفتين وعملت على إضافة بعض التحسينات على المكان، إلى أن أصبح إلى حد ما ملائم لمشروعي ذاك. وبعد عملٍ شاق ومضنٍ بالتجهيز للمكان من أدوات وأجهزة وخلافه. انتهيت وبدأت مشوار آخر وهو البحث عن عاملات للمكان، لم أبحث كثيرًا كون أن لي صديقات يعملن بنفس المجال هن من قمن بمساعدتي بذلك.

بعد ذلك بوقت قصير أفتتح الصالون بمكان قريب جدًا من مقر سكني وذلك سهل علي عملية المتابعة للصالون والعاملات. بدأ بحمد الله يتوافد على المكان بعض النسوة من سكان الحي، ولكن لم يكن المأمول كما كنت أظن بل أسوأ حيث أنني كنت آمل أن يدر علي هذا المشروع أرباحًا مناسبة تعينني على متطلبات الحياة ولكن الذي حدث عكس ذلك، في بداية الأمر ظننت أن ذلك سيتغير مع مرور الوقت ولكنه لم يتغير بل بات الأسوأ فالأسوأ يحدث.

في أحد الأيام جاءتني مكالمة هاتفية من إحداهن وهي قريبة لي تخبرني بأنها تريد مشاركتي بالمشروع وأنها تقصت عن مشروعي ووجدت أنه مشروع ناجح مئة بالمئة لذلك هي ترغب بأن تكون شريك لي. اعتذرت لها بأدب بالغ بأنني لا أحبذ المشاركة وخاصة بمجال العمل، لكني في نفس الوقت شجعتها بأن تنشئ مشروعها الخاص بها بنفسها فهي قادرة على النجاح بدوني.

لم يرق لها الكلام فأسمعتني بعض الكلمات غير اللبقة، واختتمت مكالمتها تلك بأنها سوف تفتتح مشروعها بنفس الحي وسيكون مشروعها مواجه لمحلي مباشرة وأنها سوف تحاربني برزقي. هكذا نطق لسانها لم أعرف حينها بماذا أرد على كلامها ذاك كونه كان قاسيًا بعض الشيء، لكنني أجبتها بعد ذلك بأن الذي يرزق هو الله وليس البشر، سوف يأتي رزقي و رزقها متى شاء الله.

استطردت حديثها بزهو قائلة لي: “أنا الأفضل وتذكري البقاء للأفضل.” ومن ثم أغلقت الهاتف وأنا لم أزل ممسكة بالهاتف تعلو وجهي علامات الدهشة من هول ما سمعت. كانت كلماتها تنضح بالأنانية المتورمة وتضخم الذات “أنا أو لا أحد” حتما إن الطموح والتطلع حق مشروع للجميع بشرط ألا يكون ذلك على حساب الآخرين.

بعد ذلك بفترة وجيزة لم ينتج ذلك المشروع شيئا ولم يدرّ علي أي أرباح تذكر، ولم استفد شيئا سوى الخسائر المتلاحقة. وبعد بحث عن الأسباب لكل ذلك علمت فيما بعد أن هناك من سعى لتعطيل رزقي وتدمير ذلك المشروع.

بعد تفكير اتخذت قراري وهو التخلص من المشروع برمته. تم بيع جميع الأجهزة وخلافه بثمن بخس وبخسارة عظمى، وعدت مرة أخرى لعملي واجتهدت وثابرت.
الحياة مسرح كبير وفيه من الممثلين الذين نقابلهم كل حين منهم من يجيدون التمثيل على ذلك المسرح وبجدارة. نرى وجوههم وقد اكتساها الزيف والنفاق والتعالي والبغض والحسد لا يعرفون من الحياة إلا صفة الأنا ولا يميزون إلا أنفسهم ومصالحهم فقط وما عدا ذلك فلا يعنيهم بشيء.

تلك الفئة لا شيء يشفي غليلها تمكنت منهم الأنانية، لذلك لم يستطيعوا تهذيب سلوكياتهم وتقويم نوازعهم السلبية.

البعض يرى نفسه أنه قد وصل إلى درجة الكمال، ونسي أن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، ومن خلال نظرته النرجسية لنفسه يستنكر السؤال ويتعالى عن الرد.
بلا شك هناك أماكن خلل كثير بجميع نواحي حياتنا لا نستطيع مجابهتها بل أحيانا نقف مشدوهين أمامها لا حول لنا ولا قوة.

سطوري الأخيرة أختمها بقولي لمثل من يرددون عبارة أنا ومن بعدي الطوفان،

أقول: هونًا هونًا فلقد مات قبلكم من كان ينهج منهجكم ولم يأت الطوفان بعد، فهونًا على أنفسكم وكفاكم غطرسة وأنانية وحماقة وجهلا.