عند التقائي بأشخاص لأول مرة، في كل تفاصيل حياتي اليومية هناك أسلوب راقٍ في التعامل، لطالما أبحث عنه وأنشده فيمن ألتقيهم بأي مكانٍ كان، وكم يأسرني ذلك ويجعلني ممتنة لأولئك الأشخاص بالشكر والتقدير.
في أحد الأيام اضطررت لمراجعة مستوصف الحي الذي أقطن به؛ وذلك لشعوري بعارض صحي مفاجئ. فقصدت ذلك المستوصف لقربه من مكان سكني. عندما دخلت إلى رواق المستوصف، قابلتني أحد الموظفات بأسلوب فج للغاية وأخذت تحادثي بصوت مرتفع وطريقة جدًا سيئة، دون أن تراعي التأدب في الحديث. وهي تطلب مني أوراقي الثبوتية أعطيتها ما طلبته بدون أن أعلق على أسلوبها ذاك الذي ضايقني للغاية. استمعت لتوجيهاتها بهدوء ومن ثم غادرت إلى حجرة أخرى وبها يؤخذ قياس العلامات الحيوية للمريض، أيضًا لم يكنّ ممرضات تلك الحجرة بأفضل حالًا من تلك الموظفة؛ فقد جعلوني أنتظر وقتًا طويلًا جدًا ومملًا؛ وذلك بسبب انشغالهن بالرد على هواتفهن التي لم تهدأ طوال الوقت، والتي أخذت من وقت المريض. وبعد ذلك الانتظار تم توجيهي إلى غرفة الطبيبة لإجراء الكشف النهائي.
وبالفعل صعدت إلى الطابق الذي توجد به حجرة الطبيبة، وحينما وصلت للمكان المنشود وجدت مجموعة من المرضى ينتظرون دورهم أيضًا.
انتظرت مع تلك الجموع حتى حان دوري بالدخول، وبالفعل دخلت إلى حجرة الطبيبة، وبعد إلقائي التحية أشارت لي بالجلوس، وجلست ومن ثم بدأت سؤالي بأدب بالغ عن مشكلتي الصحية التي أعاني منها، لفت نظري أثناء حديثها معي خلقها الرفيع جدًا، وأسلوبها الراقي الهادئ، وسعة ورحابة صدرها بالاستماع إلى شكوى المريض الذي يجلس أمامها بصبر وتأنٍ ودون ملل. شدني ذلك الأسلوب بشدة لأنه أصبح من النادر في هذا الزمن الذي قل أن تجد فيه من يكسب الناس بأخلاقه الكريمة ولو قلت أنه يوجد من قد تكون هي الأخلاق نفسها فلن تكون هناك مبالغة أبدًا. يعد التواصل مع الآخرين أحد أهم أساليب التعامل الراقي، فالطريقة الرئيسية في التواصل هي الكلام، وأغلب انطباعاتنا عن الآخرين تكون عن طريقة كلامنا معهم. من الجميل أن تكون حياتنا زاخرة بالرقي والاتزان والأدب في ملاقاة الآخرين أي كانت لقاءتنا بهم، وفي أي مكان كان.
كلنا مخيرون لرسم لوحاتنا إما بالذوق والرقي واحترام الآخرين، أو الفظاظة والغلظة وسوء الأدب. قيل: “كن انسانا راقيا أو عش وأنت تحاول”.
إن جمال الأسلوب والسمو الروحي وتحضر الإنسان لن ينتقص من قدر الشخص شيئًا، بل بالعكس فهو مكسب وعظيم جدًا.

أهدي مقالي المتواضع هذا إلى حضرة الدكتورة ندى الشهري.
الدكتورة ندى الشهري: معاملة حسنة، لباقة، أدب صبر، حرص على مساعدة المرضى تفانٍ في خدمتهم، بذل كل الجهد لكي يغادر المريض وهو راض ومبتسم رغم ألمه وأوجاعه التي حضر لعلاجها. شكر بالغ للدكتورة ندى فلقد رسختِ في أذهان مرضاك صورة رائعة لتحضرك واحترامك لهم.
كم أسعدني الالتقاء بأمثالك فأنتِ واحدة من طبيبات هذا البلد العظيم، فلمثلكن ترفع القبعة.