عندما تخرج منا جملة بغداد يتوارد في ذهننا بغداد الجمال التي تغنى بها شعراء قديما و حديثاً بغداد التي أنشأها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لتكون مقراً لخلافته و عاصمة الخلافة و منذُ ذاك الوقت و بغداد مهبط للشعراء والعلماء ومنها نهضة الأمة الإسلامية بالعلم وبشتى مجالاته و أصبحت مقصداً لطلاب العلم فازدهرت فيها الصناعة والطب و التجارة و خرج منها علماء بالدين والطب و الهندسة المعماريه ليس فقط العرب و إنما كذلك أتوها طلاب علم من بلاد الروم أنذاك لأنها أصبحت مركز حيوي للخلافة العباسية و رافد قوي لأهلها .

و استمرت بغداد تحمل شعلة العلم على مدى العصور و خرج منها علماء افذاذ في شتى الفنون .

اصيبت بغداد بجرح عميق عندما هجم عليها المغول و أبادوا سكانها و حولو نهر دجلة والفرات إلى اللون الأسود بسبب رمي الكتب فاندثرت بعض العلوم التي كرس العلماء وقتهم و جهدهم لانشاء هذه المعارف وفقدت الأمة كنزاً من العلوم المعرفية و العلمية وذهبت هذه المعارف مع مياه نهري دجلة و الفرات .

ونهضة بغداد بعد هذا الجرح العميق و استعادة حيويتها وعادوا العلماء لمزاولة التعليم و البحث لكي يكونوا نبراس لهذه الأمة .

فكانت بغداد عاصمة للعلم و العلماء يقصدها النوابغ في شتى المجالات و استطاع ابناءها من التفوق و التمييز حتى أصبحت العراق مركزاً محورياً لتخصيب اليورانيوم و أنشأت المعامل النوويه فأصبحت العراق قوة ضاربه كما كانت في عهد الخليفة أبو جعفر المنصور.

أما الآن أصبحت بغداد الغناء إلى خراب و دمار و هرب منها العلم قبل العلماء و سلمت لعدو أشد دماراً من المغول ؛ فتحولت بغداد مركزاً لدمار باقي الأمة، مخالفة لعهدها السابق عندما كانت عاصمة مركزية لكل البلدان.

بغداد الآن تأن و تبكي من كثرت جراحاتها من بعد ما كانت بغداد غناء تجذب العشاق و العلماء للتغزل بها .

نداء الشاعر العراقي معروف الرصافي مخاطباً بغداد

بغداد حسبك رقدة وسبات أوَ ما تُمضُّك هذه النكبات
ولِعَت بك الأحداث حتى أصبحت أذْواء خَطبِك ما لهنّ أساة
قَلَبَ الزمانُ إليك ظهرِ مجَنِّه أفكان عندكِ للزمانِ ترات
ومن العجائب أنَ يمَسَّك ضرّه من حيث ينفع لورعتك رُعاة
إذ من ديالي والفرات ودجلة أمست تحُلّ بأهلك الكُرُبات

وهنا الشاعر معروف الرصافي بقصيدة أخرى قائلاً

مَن مُبلغ المنصور عن بغداد خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها الأنهار يانعة بها الثمرات

بغداد عذراً فجراحك تحتاج للفاروق عمر ليحررها من براثن الفرس ولنصرة المعتصم وا معتصماه لكي تشفى.