يقول الزيات: لا أدري لماذا يظن الكاتب والفنان أن الأرض لا تتسع إلا له وأن الناس لا يقبلون إلا منه، وهو يعلم علم اليقين أن الأدب ألوان وطعوم وأن الذوق أشتات ودرجات، وأن مَثل الأدباء والفنانين في العصر الواحد كمَثل الجوقة الموسيقية لو ألفت بأصواتها المتنوعة لحناً واحداً فحسب لما طربت لها تلك النفوس المختلفة ولما أرضت تلك الأذواق المتباينة..!

وذكر السملالي في كتابه المشوق إلى الأدب عن أحمد أمين أنه قال “في الوقت الذي نرى فيه نقابة للعمال وغيرهم وحتى للحلاقين نقابة، لا تجد للأدباء نقابة تجمعهم! وقد حاول توفيق الحكيم أن يجمع بينهم ليخرجوا مجلة كبيرة تحمل اسمهم فلم يفلح، فكيف يتصافى فلان مع فلان ومن هذا الذي يرضوا به ليكون رئيساً على الجميع؟! وانفضت الدعوة على لا شيء..!! ويردف أحمد أمين قائلاً: واجتمعنا مرة وأسسنا نادي القلم فلم يحضر عدد مع الأدباء بحجة أن فلان رئيسهم، ومن حضر لم يسعده أن أدباء الجاليات انضموا إلى أدباء مصر، فانفض النادي إلى غير رجعة..!

يذكر حاتم الشهري في كتابه لماذا ينتحر الأدباء أنه شاهد لقاء لأحد الشعراء سئل فيه عن شاعر اختفى عن الظهور في الساحة.. فقال: لا أعرف هذا الشخص وأن الساحة لا تتأثر بغياب أحد.. وأبدى الشهري وقتها تعجبه وإنكاره لأنه شاهد بنفسه هذين الشاعرين في سجال بينهما ثم لا أنفك هذا المغتر أن أنكر وجود منافسه ومعرفته..!

وكم لاحت في سماء الأدب من خصومة وعراك رفع رايتها رموز في الأدب وعمالقة في الفكر كالعقاد وطه حسين والرافعي وزكي مبارك وغيرهم كثير، فتراهم ينتقدون أغلب من في الساحة وكأن سماء الأدب لا تزهو إلا بهم وكأن شمس اللغة لم تشرق إلا عليهم، ولا تدري هل كان كل ما بينهم يستحق كل هذا العداء..؟! أم أن كل واحد منهم جعل الآخر جسر عبور لفرض هيمنته وإبراز عضلاته وامتلاك جمهوره وإرضاء اعتداده بنفسه..!

ثم ذكر الكاتب حاتم الشهري أن البحتري حين وصف شعر أبي تمام قال: “إن جيد أبي تمام خير من جيدي ورديئي خير من رديئه” فهذا الوعي والإنصاف من البحتري لم يقلل قيمة شعره كشاعر رغم التنافس في عصرهم بل زاد قيمته كإنسان صادق قبل أن يكون أديباً أميناً.

وتأمل أخيراً هذا الإنصاف الجميل حتى في ساحات الوغى ومواطن العداء في هذا البيت الخالد:
سقيناهم كأساً سقونا بمثله
لكنهم كانوا على الموت أصبرَ

فرغم العداء والحروب إلا أنه أثبت لعدوه الصبر واعترف له بالشجاعة.. في الوقت الذي تكبًر فيه أرباب الأدب وأصحاب القلم عن الاعتراف بفضل الآخر عليهم أو حتى التجمع في نادي أو مجلة أو حتى الاجتماع تحت سقف واحد.. لكن كما قيل الإنصاف عزيز