تعتبر نظرية الدافع البشري التي توصل لها عالم النفس الأمريكي   ماسلو Maslow عام  1945م من أهم النظريات التي تفسر   الدوافع الإنسانية التي تحرك السلوك البشري وتوجهه نحو تلبية احتياجاته الفردية.

حيث بين خلال نظريته التي شرحها بتوسع في كتابه  “الدافع والشخصيّة”  Motivation and Personality  أن كل إنسان له جملة من الاحتياجات التي يتطلع لتلبيتها مقسماً تلك الاحتياجات الى خمسة مستويات في قالب هرمي سُمِي بهرم ماسلو Maslow’s hierarchy .

فبدأ بالاحتياجات الفسيولوجية مثل 🙁 الأكل ،الشرب،النوم…..الخ)، ثم الاحتياجات الأمنية (الأمن الجسدي،الأمن المعنوي،التحرر من الخوف…..الخ)، والاحتياجات الاجتماعية:(الصداقة، العلاقات الحميمة) واحتياجات تقدير الذات:(احترام الذات، احترام الأخرين) حتى يصل لتحقيق الذات:(الابتكار،الابداع،براءة الاختراع) كما هو موضح في الأسفل.

رتَب ما سلو الحاجات الإنسانية بشكل هرمي  فالأفعال والسلوكيات  الإنسانية تثيرها وتسيطر عليها  حاجات فردية ابتداء من الحاجات الأساسية وفق هرم ماسلو وصعوداً حتى يرتقي الى قمته وهو مستوى (تحقيق الذات). وهي غاية كل إنسان طموح.

حيث يصل إلى ذروة العطاء العلمي من  ابتكار وإبداع و براءة اختراع، ولكن بعض الناس يفشلون في الوصول الى قمة الهرم والعجز في تحقيق كافة احتياجاتهم لظروف قاهرة تواجههم كفقدان الوظيفة أو التفكك الأسري أو الحروب أو ربما لا يطمحون إلى الارتقاء إلى مستويات عليا في الهرم.

وقد وظِفت هذه النظرية في علوم شتى مثل الطب والتسويق، وعلم السياسة، وعلم الاجتماع بما يخدم الاحتياجات الإنسانية في تلك التخصصات، ونحن نحاول جاهدين هنا إلى توظيفها في الشؤون الإدارية في جانب تقنين نظام للحوافز الوظيفية، وذلك استجابة لتلك  الأصوات التي تعلو مطالبة بإصلاح القطاع العام والخاص من أجل الارتقاء بمستوى الأداء الوظيفي؛ لترتفع على أثره معدل الإنتاجية لدى الموظفين.

ولا يمكن ان يتحقق ذلك الحلم الذي يراود كثيراً من القادة إلا عبر الحافز الوظيفي المتحقق عبر إشباع حاجات المرؤوس التي يشعر بها؛ لذا من مهام القائد الأساسية بناء دراسة مسحية لمنسوبي المنظمة تهدف إلى تحديد احتياجات المرؤوسين وبناء على نتائجها يستطيع القائد تصميم خطط استراتيجية لتلبيتها منطلقاً من تلبية الاحتياج الفسيولوجي للمرؤوسين عن طريق توفير بيئة عمل خلاقة وإيجابية ذات بنية تحتية متكاملة، وتشتمل على كافة الاحتياجات الأساسية التي يحتاجها الموظف أثناء ساعات أداء العمل أو ساعات الراحة العملية،

وكذلك دخل شهري مجدي للموظف يوفر له ولعائلته حياة كريمة تكفل لهم متطلبات العيش الرغيد، ومسكناً وثيراً، أو منحه حصة من أسهم الشركة كمكافأة على الأداء، فبعد أن يشبع القائد حاجات المرؤوسين الفسيولوجية ينتقل الى المستوى الذي يليه وهو تلبية حاجات الأمان الوظيفي وفي هذا المستوى يتطلب من القائد أن يوفر للمرؤوسين بيئة عمل آمنة على كافة الأبعاد الحسية كسلامة مكان العمل من الأخطار المحدقة و الرعاية الصحية والأبعاد المعنوية مثل: إبرام عقد مع المرؤوس  طويل  الأجل، وراتب تقاعدي  مجزي فبعد أن يشبع القائد حاجات المرؤوسين من ناحية الأمان الوظيفي ينتقل الى المستوى الذي يليه وهو الحاجات الاجتماعية في البيئة الوظيفية وهنا تكمن  براعة القائد في خلق بيئة عملية تتسم بالانسجام بين كافة أطياف المرؤوسين؛ ليجدوا فيها روح الانتماء الى تلك  البيئة ويمكن للقائد أن يشبع تلك الحاجة من خلال  مشاركة المرؤوسين في بناء رؤية المنظمة وأهدافها ثم قدرته الخارقة في التأثير على المرؤوسين وتوجيههم جميعاً نحو تحقيقها ؛ لتكون هي القاسم المشترك لهمومهم وهواجسهم وطموحهم ويحفزهم الى تقديم الأفكار و المقترحات وتنفيذ المناسب منها دون تردد؛ ليشعروا باعتباريتهم في بيئة العمل وبأنهم مرحب بهم وهذا وحده لا يكفي بل على القائد  أن يحقق العدل والمساواة بين كافة منسوبي المنظمة في المهام والمسؤوليات و المكافآت، والأجمل من هذا وذاك  جدولة لقاءات شهرية بين منسوبي المنظمة تشتمل على فعاليات رياضية، ومسابقات ثقافية خارج مقر العمل لتزيد من الود و الألفة والترابط بينهم .

هناك الكثير من القادة من ينجح في تلبية تلك الاحتياجات الثلاث الدنيا آنفة الذكر في هرم ماسلو وهي (الفسيولوجية – حاجات الأمن – الحاجات الاجتماعية) ويعتقد القائد أنها كفيلة بخلق الحافز الوظيفي وتعزيز الانتماء المؤسسي في حين أن بعض الكفاءات المتميزة في المنظمة تتطلع للحاجات العليا التي تليها وفق هرم ما سلو وهي احترام الذات و تحقيق الذات بل إن  فقدانها  قد يؤدي   إلى تسرب الكفاءات إلى منظمات أخرى تكفل لها إشباع  تلك الاحتياجات ،لذا على القائد الفعال أن يسعى لإشباع الاحتياجات العليا و يمنح المرؤوس كامل الثقة والصلاحيات في المهام الموكلة له  حتى يشعر  بتقدير الذات واحترامها وبمكانته و قيمة ما لديه، وتشجيعه في تقديم  الأفكار التي يمكن أن تحول إلى منتج يمنح المنظمة قيمة تنافسية وعلى  القائد ان يكون متوافقاً مع تلك الإنجازات  فيمنح المرؤوس نظرة إيجابية ويجزل له العطايا المادية و المعنوية من مكافآت و ترقيات نحو المكانة المرموقة التي يستحقها مشفوعة بخطابات الشكر وشهادات التفوق.

عندما ينجح القائد في تلبية احتياجات المرؤوس يكون بذلك قد صعد بكافة المرؤوسين إلى قمة هرم ماسلو، وهو تحقيق الذات غير أن الوصول  للقمة ليس سهلاً فالمشوار  تكتنفه  الصعاب و المعوقات ولذلك يرى  ماسلو  بأن نسبة 2% فقط هم القادرون على الوصول لتحقيق ذواتهم  وهي مرحلة الإبداع و الابتكار حيث يمتلك أصحابها النظرة الموضوعية نحو مجريات الحياة ويستمتعون بروح التسامح  و العفوية في الأفكار والمبادرات البعيدة كل البعد عن التكلف بجميع صنوفه واشكاله؛ لذا على القائد أن يمنح هذه الشريحة فرصة  المساهمة  في اتخاذ قرارات المنظمة، وبناء سياساتها المستقبلية، وتحديد البوصلة التي تتجه بالمنظمة نحو مرافئ النجاح والتميز.

إن توظيف هرم ماسلو في خلق الحافزية الوظيفية  يتطلب من القائد الصعود بتسلسل وفق مستويات الهرم من الاحتياجات الدنيا وحتى الاحتياجات العليا؛ ليتمكن القائد من إشباع احتياجات كل مرؤوس، فمتى ما شعر المرؤوس بالتحفيز شُحِن بالحماس وارتقى بأدائه الوظيفي نحو الأعلى و تعزز ولاؤه وانتماؤه للمنظمة وسهل  على القائد التأثير فيه وتوجيهه نحو المسار السليم ،ومتى ما  فشل القائد في تلبية تلك الاحتياجات قد يؤدي ذلك الفشل  إلى آثار سلبية على المرؤوسين تتراوح ما بين الإحباط النفسي والانشغال الفكري  منتهية بضعف الإنتاجية ثم التسرب من العمل.