أكد المحلل الاقتصادي عبدالحميد العمري، أن استمرار صعود التضخم الهائل الراهن لأسعار الأراضي، أيضا يهدد الاستقرار الاقتصادي، واستقرار القطاع الخاص.

وقال العمري: “بوصول التضخم إلى ذروته نهاية يونيو الماضي، وأن ضريبة القيمة المضافة 15% ساهمت بالدرجة الأولى في ارتفاعه طوال 12 شهرا، بعد تطبيقها هل سيحدث توقع تراجعه خلال يوليو 2021 بوجود أثر الضريبة المضافة في يوليو 2020 ويوليو 2021؟”.

وتابع: “هناك مؤثرات أخرى قد تبقيه عند نفس المستوى أو قريب منه، أهمها التضخم المحتمل قدومه مع الواردات، وأوله القادم من الصين الذي أظهر مؤشر أسعار المنتجين فيها ارتفاعه بـ 9% بنهاية مايو الماضي”.

وأضاف: “التضخم المتصاعد لأسعار الأراضي بأي اقتصاد؛ لا تقف مخاطره فقط عند زيادة التضخم، بل تمتد إلى التأثير سلبا على النمو والدخل الحقيقي وزيادة التشوهات وتكاليف الإنتاج والتشغيل، ورفع تكلفة تملك المساكن وكافة العقارات ورفع حجم القروض ودرجة المخاطرة المقترنة بها، وتعقيد بيئة الأعمال”.

واستكمل: “وكما سبق ذكره؛ فإن مواجهة هذا المصدر الرئيس للتضخم محليا، يمكن التعامل معه بسهولة كبيرة، متى ما تم تفعيل المرحلتين الثانية والثالثة من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، ومن ثم سد أحد أكبر مصادر ارتفاع التضخم، عدا التصدّي لسلبياته الكثيرة على مستوى بقية نشاطات الاقتصاد الوطني”.

وأشار إلى أنه من المصادر المحتملة أيضا لبقاء التضخم مرتفعا “الآثار التالية لانتهاء المهلة الزمنية لتصحيح أوضاع المتسترين تجاريا، وبدأ التنفيذ الفعلي لنظام مكافحة التستر، الذي ستكون آثاره الإيجابية من أهم مكاسب الاقتصاد الوطني، إنّما قد يحدث شيئا من التضخم خلال الأشهر الأولى من التنفيذ”.

وأضاف: “ستكون مهمة تشديد الرقابة على الأسواق محليا، طوال الأشهر التالية من بدء التنفيذ الفعلي لنظام مكافحة التستر، من أهم الأدوات اللازم اعتمادها والتصدي بقوة لمن قد يحاول انتهاز فرصة رفع الأسعار لأي سبب كان، سواء لهذا السبب أو لأي أسباب أخرى ومحاولة استغلالها أكثر مما تحتمل”.

وتابع: “أوردت الكثير من التقارير عالميا أن التضخم سيأخذ موجة عالمية بعد الجائحة العالمية لفترة قد تمتد لأعوام بعد 2020؛ نتيجة لسياسات التيسير الكمي الهائلة ولانخفاض معدلات الفائدة، ونحن جزء من العالم سنلمس منه قدرا بحكم اعتمادنا على الواردات كسبب رئيس.. لكن يمكن تخفيف آثاره بقدْرٍ ما”.

ولفت إلى أنه من أهم الخيارات المتاحة؛ أن يتم العمل المتكامل على تكثيف جميع السياسات الاقتصادية والإجراءات المحلية التي تستهدف كبح أكبر قدر ممكن من مغذيات نمو التضخم، ومن أهمها كبح الغلاء الفاحش الراهن في أسعار الأراضي، التي سيسهم انخفاضها بنسب كبيرة في تحسين دخل الفرد بمواجهة هذه التحديات.

واستدرج قائلا: “الكثير غضب غضبا عظيما على عديد من الشركات المحلية التي رفعت أسعار منتجاتها محليا، ودون الخوض في مبررات كل فريق (المنتجين، المستهلكين)، إنما العجب أن هناك عدد لا يستهان به صفّق فرحا ولا زال بارتفاع أسعار الأراضي والعقارات 100% إلى 200% ولم يواجه كما تم مواجهته لتلك الشركات!”.

وقال العمري: “رغم أن الشركات التي رفعت أسعار منتجاتها (دون الخوض في المبررات كما أسلفت)، إلا أنها ساهمت في تنويع قاعدة الإنتاج، وتوظيف الموارد البشرية الوطنية، والنمو الاقتصادي، وشغّلت منشآت أخرى”.

وتساءل: “في المقابل؛ بماذا ساهمت أرض بيضاء ارتفع سعرها 200%؟ هل وظّفت؟ هل نوّعت الإنتاج؟ ومليون هل؟!”.

وشدد على أن استمرار صعود التضخم الهائل الراهن لأسعار الأراضي، عدا أنه سيغذي التضخم عموما، فهو أيضا يهدد الاستقرار الاقتصادي، واستقرار القطاع الخاص، ويشوه بيئة الاستثمار، التي مع كل صعود لأسعار الأراضي، يعني اجتذابها أكثر للأموال والثروات الوطنية، ومن جانب آخر ستمنع تدفق الاستثمار الأجنبي -على حد قوله-.

وختم بقوله: “الخيارات المتاحة لدينا أمام التضخم المستورد من الخارج قد تكون محدودة جدا.. وعلى العكس تماما؛ الخيارات المتاحة أمام مغذيات التضخم محليا أوسع وأكبر بكثير، ولا يقف بيننا وبين تفعيلها سوى الحزم وتكامل الجهود الحكومية، وزيادة تفعيل الأدوات اللازمة للتصدّي لها على وجه السرعة”.