الدين الإسلامي دين الوسطية والعدل والاتزان في الأخلاق والقيم والعادات و سنن الحياة .

وينبغي أن يكون الاتزان أصل متين في حياة المسلم حتى يحظى بالاستقرار العاطفي والفكري والجسدي والانفعالي .

فالاتزان العاطفي يُعبِّر عن قُدراتنا على الاستمرار بحالة من الهدوء تجاه جميع المواقف التي تصادفنا في الحياة، والنظر إليها بطريقةٍ إيجابية ، أما الاتزان الانفعالي هو الحالة التي يستطيع فيها الشخص إدراك الجوانب المختلفة بما لديه من دوافع وخبرات وتجارب تعين على تحديد نوع الاستجابة .

وكلاهما يعينان على السيطرة على الذات في إدارة المواقف ، وتحليلها والوصول بكوامن النفس إلى جادّة الإحسان في تقدير الظن لكل إنسان .

حسن الظن هو ترجيح جانب الخير على جانب الشر ،أي تغليب الرؤية الحسنة للأمور على الرؤية السيئة.

حسن الظن بالله تعالى خلق إسلامي قويم ، ترتكز به عرى الإيمان، وهو مبدأ يؤصل قاعدة من الرضى والقناعة ، وحسن اليقين للمسلم عن أبي هريرة  رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حسن الظن بالله تعالى من حسن العبادة».

وهو أمر أوجبه الله تعالى علينا ورسوله فقال -صلى الله عليه وسلم-: ” لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله”.

وحتى نصل إلى غاية الإحسان إلى النفس والناس ينبغي إنزال النفس منزلة الغير في تأويل المواقف للخير برويّة واتزان ، و تأويل الأقوال والأفعال تأويلاً طيّباً فلا اعتقاد للشر بلا دليل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً” ، و وكذلك التماس الأعذار للآخرين : قال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه وبذلك تغلق طرق الشيطان في الإيقاع بين الناس ، و أيضاً الدعاء: فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلباً سليماً ، أيضاً تجنب الحكم على النيات بسوء والاحتراس من العواقب قال بكر بن عبد الله المزني: إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك ، وكذلك الصبر والتحمّل؛ أي إدارة الموقف قبل صدور ردة الفعل تجاه أفعال وأقوال مسيء الظنّ وما يصدر عنه حتى يتم التأكد منه ، و التوكّل على الله عزّ وجلّ، وإحسان الظنّ به، والرضى بما قدّره لعباده بالإقدام على تحسين الرؤية ، و الاعتذار والتبرير ، والبعد عن كثرة الشكوك والتنفير .

قال الشَّاعر:

حَسِّنِ الظَّنَّ تعشْ في غبطةٍ إنَّ حُسْن الظَّنِّ مِن أوقى الجننْ

لكل منا زاوية تفكير تحلل الحدث وتحكم عليه، فإن كان التحليل يتوخّى فيه الحذر، ويراعى فيه حسن الظن فإنه قد أصاب كبد الحقيقة، ولم يتسبب بأذى على المظنون به ، وذلك توثيق لجسر المودة وسلامة الصدر .

أما إذا كان تحليل الموقف بعيداً عن زاوية الفكر ، ولم يمرّ بجسر الحذر ، ولم يدخل دائرة حسن الظن فإنه سينطلق من بوابة الفكر سريعاً ، ويكون قريباً من لسان صاحبه ، وقد لا ينازع الحقيقة ويكون بعيداً عنها لسوء الظن‏ فيتسبب بالمشاكل وقطع العلاقات.

حري بالمسلم أن يقترب من دائرة التفاؤل ليترك بالأثر الإيجابي خير ذكرى ، ويبتعد بفكره وظنونه من شبح كل هفوى .

لذا لابد أن ينزع إلى تهذيب اللسان ، وقبله ترويض الفكر والعنان حتى يخرج من بوتقة الفكر ‏كعطر تجذب نسيمه الأرواح ، وليرسخ في ذهن من يسكنهم طيف أثره أن يتلون اسمه في الدعاء ‫بأنه نلت بالخير والإحسان حسن الظانين خيراً.

يقوى المجتمع المسلم بتعاضد روابطه وتماسكها فكلما روّضت النفس بالحلم والأناة وبحسن الظن كلما صفت النفوس ، وتوثقت عرى المودة ، وكلما تكالب عليها زيف المنكرات ، وشرور الأعداء دحرت بترابط القوى بين قلوب المسلمين.

إن إحسان الظن بالمسلمين يحتاج إلى مجاهدة النفس لقطع الطريق على الشيطان بإحسان الظن لأن الظن السيء يورد صاحبه المهالك ، ويقطع أواصر المحبة بين الناس ، وقد حذَّر الله سبحانه وتعالى من الظن وسوءه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ، قد ورد حثُّ النبي صلى الله عليه وسلم على حُسن الظن من خلال قوله: (إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تَنافسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا)

قال الشاعر: مَن يظن السُّوءَ يُجْزَى مثلَه ..  قلَّما يُجْزَى قبيحٌ بحسنْ

إن كثرة الاعتياد على حسن الظن وإتقانه دليل بلوغ غاية الإيمان ، فيصبح صاحبه صافي القلب نقي السريرة ، سليم الخاطر بعيد عن التشاجر ، لا يظنُّ بالمؤمنين إلا خيرًا ، و تفتح له أبواب الخير والسعادة ، وتقوى أواصر المحبة بين المجتمع ، وتوصد أبواب الشر والمكاره دحراً للشيطان ودرءًا لمكارهه .