العيد فرحة ولكنها فرحة المتقين وسعادة لكنها سعادة الذاكرين لله والشاكرين.. العيد بهجة لكنها بهجة من يعبد ربه حتى يأتيه اليقين، والمؤمن وهو في فرحته يستشعر النعم التي أنعم الله بها عليه فيشكر الله على نعمة الأمن التي ينعم بها في هذه البلاد المباركة في ظل القيادة الرشيدة ..في الوقت الذي يذوق فيه البعض مآسي الحروب والفوضى والمحن ..إنّ المؤمن عندما يلبس الجديد ويتجول من نزهة إلى نزهة في سكينة وطمأنينة يتذكر جنود الوطن المرابطين على الحدود الذين بذلوا ويبذلون أرواحهم وأنفسهم فلهم الدور الأكبر بعد توفيق الله ونصره فيما هو فيه من أمن وأمان.. يتذكر إخوة له وأخوات من المسلمين مستضعفين لاجئين ينتظرون لقمة خبز يأكلونها وأطفال يبحثون عن كسوة العيد لا يجدونها . عندما يفرح المؤمن مع أسرته في العيد يتذكر بأن هناك يتامى وأرامل ومعاقين ومساكين يحتاجون إلى المساعدة…لا ينسى كل هؤلاء.. فلا يبذر ولا يسرف ولا يظلم ويلجأ إلى الله بالذكر والعبادة والدعاء لهم ومساعدتهم بكل ما يمكن أن يقدم لهم من مساعدة ..المؤمن عندما يفرح بالعيد يتذكر جائحة كورونا فيدعو الله سبحانه وتعالى بأن يعجل في رفع هذا الوباء، ويلتزم بالاحترازات الوقائية التي حددتها الجهات المختصة ..، ولا يعني إذا تذكر المؤمن ما سبق أن ( ينكد على أهله ويكون أغلب حديثه في المجلس عن الجائحة أو الأخبار السيئة ) بل الواجب أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه الصلاة والسلام على رغم أحزانه و تكالب الأعداء عليه ومحاربة دعوته والتشكيك فيها ، وما مر عليه من مكائد وبلاء إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل ذي حق حقه ؛ ففي العيد تجده مبتسما دائما وكأن وجهه الشريف قطعة قمر ..مبيحا للدف .. لا يخرج من لسانه الطاهر إلا الكلام المفرح ..ويعمل كل ما يمكن أن يعمله ليدخل البهجة والسعادة والرضا على أهل بيته وصحابته رضي الله عنهم أجمعين لكي يفرح الجميع بالعيد
أذكر عندما كنت في قرية العلي وهي إحدى قرى محافظة ميسان بني الحارث كان الأقارب والجماعة في كل سنة بعد صلاة العيد يمرون على بيوت القريّة يعيدون عليهم بيتا بيتا يتناولون عند كل بيت ماقسم الله من الأكلات الشعبية بعد جلسة “سواليف ” عامرة بالقصص والأشعار والأحاديث ذات القيمة والحكمة والتسلية البريئة وكانوا يبدأون بزيارة أكبرهم سنًا ، وعندما يجتمعون في البيت الأول يتفقون على أن يصلحوا بين المتخاصمين ، فلا يذهبوا لمعايدة البيت الثاني حتى يصلحوا بين المتشاحنين وكان كبير القرية يجمع أهل القرية فيبدأ بالحديث عن العيد وتذكيرهم بالله وبأعراف الأجداد ومحبتهم لبعض – وكان الجميع قبل ذلك متأثرين بخطبة العيد – ثم يأمر المتخاصمين بأن يسلما على بعض ولا “يخربون فرحة العيد ” فينفذا أمره احتراما له وتعظيما لهذا اليوم الذي يرون أن من الواجب بأن لا يكون فيه ما يكدر من صفوه ،فيستمر العيد في القرية والجميع في تصافي وتسامح وسلام، وكان أغلب من في القرية ليس لديهم شهادات شرعيّة بل أن بعضهم لا يقرأ ولا يكتب لكنها الفطرالسليمة ، وسلامة صدورهم ..؛ فهذه من الأعراف الجميلة والرائدة الموافقة للشرع التي ينبغي أن تكون بيننا في أعيادنا وحياتنا فلنبادر في العفو والصفح والصلة والصلح قال صلى الله عليه وسلم : (وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا . وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ ) وقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة ” أي درجة الصيام النافلة وصدقة نافلة والصلاة النافلة ” ، فقال أبو الدرداء : قلنا بلى يا رسول الله ، قال : إصلاح ذات البين )
إضاءة : من علامات قبول الصيام والقيام كما ذكر العلماء هو أن يكون حال العبد مع العبادة بعد رمضان أفضل من حاله قبل رمضان ، وهذا حق ألم يذكر في القرآن أن الحكمة من الصيام هو تحقيق التقوى فإذا كنت تريد أن تعرف بأن التقوى استقرت في قلبك .. تزود من الطاعات وابتعد عن المحرمات ، وأي مسلم يذهب في هذا العيد ليزور رحما كان قاطعها أو جارا كان غاضبا عليه أو أخا هجره فليعلم أن هذا العمل من علامات التقوى التي اكتسبها في رمضان .اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير
كتبه / محمد بن عبدالعزيز الحارثي