كان الفيلسوف اليوناني أرسطو يعشق المشي، ويتأمل كثيراً أثناء ممارسته هذه الرياضة، لذلك أُطلق على مدرسته الفلسفية التي أسسها (المدرسة المشائيَّة) والبعض أسماها (الحكمة المشائيَّة)، وقد خرَّجت هذه المدرسة العديد من الفلاسفة على مر الأزمان، وفي التراث العربي كان لهذه المدرسة أتباع ومشاؤون من أبرزهم الفارابي وابن سينا وابن رشد والكندي وغيرهم.

والمشي هو قرين الحكمة؛ فبواسطة هذه الرياضة تنثال الأفكار، وتُستَجلب المعرفة، وتهدأ النفوس المثقلة بأعباء الحياة، ومن هذا المنطلق كان المشي ذا حظوة في الثقافة الإسلامية؛ حيث وردت كلمة المشي ومشتقاتها في القرآن الكريم (23) مرة، على اختلاف معانيها ومقاصدها، وورد المشي التأملي أيضاً في القرآن الكريم (وامشوا في مناكبها)، (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم) وغيرها من الآيات.

وبلغ من أهمية المشي أن جعل له الإسلام آداباً وأحكاماً، فالماشي له حقوق وعليه واجبات غير الراكب، والإسلام رغَّب بالذهاب إلى المساجد والجُمَع ماشياً غير راكب، قال الرسول ﷺ (بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، ولاشك أن في ذلك حكمة وفوائد إضافة إلى الأجر الكبير، وكان رسولنا العظيم ﷺ كثير المشي، وقد وصف أصحابه مشيته وأصبحت معروفة للجميع في اعتدالها ووقارها رغم سرعتها الملحوظة، وقد أصبح للمشي في الإسلام علماً يميزه؛ كالمشي مع الجنازة والمشي بين الصفا والمروة، وصدرت أحكاماً تتعلق بالمشي، كحكم من يمشي بنعل واحدة، ومشي الجنب بين الناس وغير ذلك الكثير مما جعل المشي ليس مجرد حركة وعبادة ونشاط بدني، إنه الحكمة والعلم والتواصل بين الناس.

وفي العصر الحديث أدرك الناس أهمية المشي كرياضة وتأمل وعلاج روحي، فخُصِصَت له الشوارع والممرات والميادين، وأُشتُهِر العديد من المشائين الجدد في العالم العربي مثل الروائي الشهير عبدالرحمن منيف وزميله جبرا إبراهيم جبرا، وكما أشتهر الأديب عباس محمود العقاد بعشقه للمشي، وأفردت قناة (روتانا) فقرة عن المشي في برنامج ياهلا بالعرفج، وكان وزير التعليم السابق د/ محمد الرشيد يعشق المشي وقد تحدث عن ذلك كثيراً، وكان العالم أينشتاين يردد دائماً أنه لم تخطر له فكرة عظيمة وهو جالس على مكتبه، بل كان ذلك أثناء المشي، وكان الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانت) دقيقاً في المحافظة على المشي، وكان الناس يعرفون مواعيده تلك، وعَشِق الأديب محمد حسنين هيكل المشي متأثراً بأينشتاين الذي قابله في منزله وأُعجب بنمط حياته، ونظَم أميرُ الشعراء أجمل قصائده وهو يمشي، ولم يتوقف نجيب محفوظ عن المشي حتى بلغ الثمانين من عمره. والأمثلة على المشائين كثيرة جداً ولا مجال لحصرها، وقد كتبت الأمريكية (ريبيكا سولنت) في العام 2000م كتاباً بعنوان (متعة التجول: تاريخ المشي) استعرضت فيه تاريخ هذه الرياضة وأبرز المشاهير الذين أخرجوا أجمل ما لديهم عن طريق هذه الرياضة التي اقترنت بالعباقرة والأدباء والعظماء.