ترسم الإرادة والمثابرة حقولًا معرفية وتجارب ثرية تكتب في سجلات من تمكنوا من وضع بصماتٍ لهم، لتعطي الدافع لمن وقف على مثل هذه التجارب القيّمة، لبذل المزيد في سبيل الوصول إلى المكان الذي يصبو إلى بلوغه والوقوف أمام الهدف الذي رسمه لنفسه في المستقبل القريب .

نايف بن سلطان العصيمي وفهد بن منصور الحاذور، الذين لم تتوقف الحياة أمام إعاقتهم بل تحدوها وآمنوا بقدراتهم لمواجهة الحياة من خلال خطوات ثابتة، واضعين أمام أعينهما أهدافًا يطمحان لتحقيقها لرسم مستقبل جميل، وبإيمان تام بدورهم في المشاركة في بناء المجتمع .

وكانت بداية القصة حينما سمع كل منهما بمبادرة (فن الزجاج) التي قدماها الفنانان التشكيليان الزوجان فهد ولولو اليحيى نهاية عام 2019م ، بدعم من شركة تراثنا للمسؤولية المجتمعية، بهدف تدريب الأشخاص من ذوي الإعاقة على فن ( الحفر على الزجاج) ، حيث انتهى التدريب بتوظيفهما بشركتهما المتخصصة بتقديم مبادرات للخدمة المجتمعية .

حيث استطاع نايف العصيمي -32- عاما، المصاب بشلل دماغي نتيجة نقص الأكسجين أثناء الولادة من تحدي إعاقته التي تمنعه من استخدام أطرافه بشكل طبيعي، وخوض تجربة الحفر على الزجاج التي تحتاج إلى دقة في العمل باستخدام آلات مخصصة لهذا الفن، وخلال 9 أشهر استطاع نايف أن يطور عمله ليصبح مدربا في هذا الفن، إضافة إلى عمله كمدير بقسم المسؤولية المجتمعية بالشركة والمسؤول عن المبادرات التي تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة .

وذكر العصيمي أنه كان يعيش حياة رتيبة أقرب إلى الانطواء، ولكنه بعد خوض تجربة العمل خاصة في مجالٍ مكّنه من إخراج الكثير من الإبداع وجعل منه رجلا آخر مليئا بالطموح، ينظر إلى المستقبل بتفاؤل بعيدًا عن أفكار سلبية .

بينما وضع فهد الحاذور البالغ من العمر 21 عامًا -المصاب بشلل الأطفال- ضمن خططه المستقبلية إكمال دراسته ليحجز مكانا له في بناء مستقبل وطنه، كل ذلك الطموح جاء بعد أن خاض تجربة الحفر على الزجاج، التي عززت من ثقته بنفسه، حيث لم يسبق له أن خاض تجربة الرسم، وحين عرض عليه اليحيى دخول المبادرة لم يكن مقتنعا بذلك، ولكنه تأكد بعد خوض التجربة من أن التدريب والتعليم والتطوير والمثابرة هما أساس العمل الناجح .

وأجمع كل من الحاذور والعصيمي ألا مكان للمستحيل في قاموس أي منهما، فمن خلال التدريب والتطوير والتعلم والمثابرة تتحقق الأحلام والأهداف، حيث أكسبتهما هذه التجربة التركيز والانضباطية بالعمل والالتزام والإدارة .

من جانبها ذكرت مدربة الحفر على الزجاج وصاحبة المبادرة لولو اليحيى أن همّة العصيمي والحاذور هي من ساعدتهما على تحدي الإعاقة والإيمان بدورهم في المجتمع، مفيدة أن فهد الحاذور قد تمكن من إنجاز (بورتريه) لملهم الشباب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في ست ساعات فقط، كما أنجزها العصيمي في تسع ساعات، وهذا يُعد رقمًا قياسي مقارنة بدقة العمل وإتقانه، وهما حاليا يعملان على عمل مشترك بمناسبة اليوم الوطني ال90 للمملكة .

وأفادت أن هذا العمل رفع من معنوياتهما، وأسهم في تطورهما فكريا وعضليا وعصبيا، مؤكدة أن المملكة العربية السعودية هي الرائدة بفن الحفر على الزجاج على مستوى العالم .

من جانبه وصف الفنان التشكيلي ومدرب فن الحفر على الزجاج فهد اليحيى موافقة المقام السامي بتوجيه الجهات الحكومية لاقتناء الأعمال الفنية والمنتجات الحِرَفية الوطنية في مقارّها بأنه قرار عظيم وداعم للفنانين السعوديين، ويفتح مجالات واسعة لإبراز الفن السعودي بجميع مجالاته، مؤكدًا أن إنشاء وزارة الثقافة يُعد داعمًا لرؤية المملكة 2030، ويسهم في بناء هوية ثقافية سعودية جاذبة للمهتمين من جميع أنحاء العالم، حيث تتميز المملكة بثرائها الثقافي المتنوع .