بعمر يتجاوز التسعين حقق الياباني «أونو« شهرة واسعة في إعداد وجبة السوشي اليابانية الشهيرة، عبر مطعمه الأشهر في طوكيو « سوكياباشي يرو «.
و أونو الآن يعد أكبر الطهاة الأشهر في العالم سناً، وقد حصل على ثلاث نجوم تقديرية، كما حصل على نجمة ميشيلين الأبرز في اليابان في العام2020م، وذاعت شهرة مطعمه بسبب موهبته الفذة في إعداد السوشي وفي شغفه المتزايد بمهنته.
وحينما زار الرئيس الأمريكي السابق أوباما اليابان في العام 2014م، تقرر أن يستضيفه الرئيس الياباني على العشاء، وذلك قبل الزيارة الرسمية التي يتناول فيها الرئيس الأمريكي الطعام في القصر الرئاسي مع الإمبراطور وزوجته كما جرت البروتوكلات الرسمية، وقد وقع اختيار الرئيس الياباني على مطعم سوكياباشي يرو، وفي اليوم التالي كان الطاهي الأكبر سناً في العالم سعيداً وهو يسمع الرئيس الأمريكي يقول إنه تناول ألذ وجبة سوشي في حياته، هذا الرئيس الذي دار على الموائد الأفخر في العالم بكل تأكيد.
ويمكننا القول أن الطاهي أونو بالإضافة إلى موهبته ومواظبته وابتكاره طرقاً متنوعة في الطهي، تعود شهرته إلى اعتناقه ثقافة الإيكياغي اليابانية، ومبادئها التي آمن بها هذا الرجل العجوز منذ كان شاباً.
إيكيغاي هي كلمة يابانية تصف المباهج ومعنى الحياة. تتألف الكلمة من مقطعين « إيك» وتعني أن تعيش، و«غاي» بمعنى سبب؛ فالإيكيغاي هي حالة من الرضا يمكن أن يعيشها كل واحد منّا، وتجعل للحياة معنى مبرراً وسعيداً؛ فعندما يجد الإنسان شغفه وحبه لمهنته يكون قد طبّق مبادئ الإيكيغاي، حينما تستمتع بكوب قهوتك الساخنة كل يوم ، وحينما تشعر بالرضا وأنت تخدم المراجعين في محيط عملك تكون إيكيغائياً بامتياز.
تعطي الإيكيغاي لليابانيين معنى وهدفاً للحياة، بشكل جعلهم في المراتب الثلاث الأولى بين الأطول أعماراً في العالم رجالاً ونساءً. وتعود معظم حالات النجاح والاستقرار في المنظومة الاجتماعية اليابانية إلى هذه الثقافة التي تحرّض على حب المهنة والتصالح مع النفس، والاستمتاع بأدق التفاصيل اليومية.
قال الرسول ﷺ (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)، وجاء في الشعر العربي ما يشجع على استثمار اللحظة والاستمتاع في تفاصيلها وعدم تأجيل السعادة والشغف إلى حين قد لا يأتي:
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
وتذكروا دائماً (الَّذينَ آمَنُوا وتَطمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكرِ اللهِ ألَا بذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القُلُوبُ).
جميل أن نستفيد من ثقافات الشعوب الناجحة، والأجمل أن نستفيد من الكنوز الربانية التي يزخربها ديننا الحنيف، الذي لم يجعلنا بحاجة لغيرنا؛ فالإيكيغاي هي القناعة والبساطة والرضا والإتقان بمعانيه العامة، ولكن بثوب ياباني قشيب يعجب أكثر المتعلقين بثقافات الشعوب الأخرى.