“ذكر الإمام الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى ودلائلها وعللها»، أما الفقه في العصر الأول فقد كان مطلقا على علم الآخرة وعلم السلوك. (موسوعة كشف اصطلحات الفنون، محمد علي التهانوي ص٤٢،) هذا بإختصار ومن آراد الاستزاده فعليه بالقراءة ليصل لمبتغاه، الفقه الحديث هو الفقه القديم بإستثناء بعض الآراء في القضايا المعاصرة والطارئة والمسماه بفقه النوازل، الأمة الإسلامية أمه قديمة بمعنى أنها تعيش في الماضي أكثر من الحاضر وهذا يتضح جلياً في مسارعتها إلى كُتب التراث القديم عندما تحل بها نازله أو تساءل فقهاؤها المعاصرين الذين ينقلون ما بتلك الكُتب نصاً بلا زيادةِ أو نُقصان!

من الطبيعي المحافظة على الثرات القديم ودراسته ونقله إلى الواقع المعاصر عبر تحليل النصوص وإدخال آراء حديثة تتناسب مع ظروف الزمان والمكان، من المعلوم أن آراء وفتاوى الفقهاء القدامى أتت في سياقِ زمني محدود متوافقة مع طبيعة وظروف المجتمعات آنذاك ومن الجهل بمكان تطبيقها على الواقع المُعاصر وحمل الناس على اتباعها خصوصاً تلك المتعلقة بحياة الناس وسلوكهم وتعاملاتهم فيما بينهم، لو تأملت في فتاوى المعاصرين لوجدتهم يرددون إسم فقيه قديم فقد قال فلان ابن فلان رحمه الله وهذا أمرُ طبيعي فالاجتهاد والتجديد أمرُ نسمع عنه ولا نراه في قضايانا الفقهية إلا فيما ندر، الفتوى عبارة عن رأي بشرى فهي “خطاب ثقافي له ضوابطه” ذلك الخطاب القديم في تاريخه بحاجةِ لإعادة تنظيم ودراسة وتحديث بمعنى يجب أن تبدأ الهيئات الشرعية في عالمنا الإسلامي بإعادة النظر في فقهها المعاصر والاجتهاد في إخراج فقه يتناسب مع المتغيرات التي تعيشها المجتمعات وظروفها المختلفة، الفقهاء المعاصرين اشتغلوا كثيراً بقضايا المرأة والعبادات وبعض القضايا الجانبية فأرائهم تؤثر في سلوك الناس وطريقة تعاطيهم مع بعضهم البعض، التأثير منبعه طبيعة المجتمعات التي ترى في طبقة الفقهاء والوعاظ مثالاً يُحتذى ومن الواجب اتباعهم والتقيد بما يقولون دون أدنى تفكير أو على الأقل تساؤل بسيط.

في عالمنا العربي والإسلامي الكثير من الفقهاء والمعاهد والكليات الشرعية والوعاظ تلك الكثرة لم تقدم حتى هذه اللحظة قراءة معاصرة بإستثناء بعض الأسماء التي تحاول تقديم تصورات وقراءات معاصرة وتصادمت مع الجمهور الذي لم يعتد على مثل تلك القراءات واعتاد على النقل لا على صوت العقل.

نحتاج لثورة فقهية معرفية تحمل في طياتها إعادة النظر في القديم والتطلع لما هو مناسب لظروف الزمان والمكان والمجتمعات التي تعيش في عصر السرعة بجسدها لكن ارواحها مُعلقه بالماضي وبما فيه من حوادث وأحداث وروايات متناثرة.