في الوقت الذي نتطلع فيه إلى التحول لمنظومة المدن الإبداعية والذكية، تأتي الأمطار والسيول وتكشف لنا واقعنا الأليم وحقيقة الجهود المبذولة في البنية التحتية في بعض المحافظات.

أمطار الطائف الأخيرة وما كشفته لنا من أخطاء كبيرة تجعلنا نشعر بالإحباط ونحن نرى العالم من حولنا يتجه إلى عالم المدن الإبداعية والمدن الذكية، وكُنّا نظن أن الطائف مرشحة وبقوة لتكون مدينة إبداعية بوردها وعطوراتها وأجوائها الخلابة، وتراثها العظيم، ورجالاتها وتاريخها الذي نقف له احتراماً، وكنَا نأمل أن تتجاوز الطائف وغيرها من المحافظات المتضررة مثل هذه المشكلات الأساسية لتنتقل إلى الإبداع كمدينة مؤهلة لذلك بقوة، لأن حلول المشكلات الحالية والمستقبلية هو من متطلبات وسمات المدن الإبداعية. وهذا للأسف ما افتقدناه وذكِّرتنا به السيول التي اجتاحت المحافظة قبل أيام.

والطائف شأنها شأن من المدن والمحافظات التي عرَّتْها السيول والأمطار وكشفت أوراقها، فإلى متى وهذه المسلسلات تتكرر سنوياً ولكن مع (مخرج) مختلف؟!

180مدينة حول العالم سجلت في اليونسكو كمدن إبداعية(Creative Cities Network)، منها أربعة مدن عربية رائدة هي بغداد وزحلة وأسوان والأحساء، وانضمت إليها مؤخراً تطوان المغربية ومدينة مادبا في الأردن والعاصمة تونس ومدينة دبي وبعض العواصم الأخرى التي تتميز بالفنون أو الصناعات المحلية كالقاهرة وبيروت وغيرها. ومن أشهر المدن الإبداعية في العالم مدينة برلين في ألمانيا، وأشبيلية في أسبانيا، ومونتريال في كندا، وبيونس آيرس في الأرجنتين، وملبورن وسيدني في استراليا، وسيول في كوريا، وبكين في الصين… وغيرها، وهذه المدن(180) توجد في 72 دولة حول العالم.

والثقافة هي الحمض النووي للمدن، حسب تعريف الكاتب البريطاني شارلز لاندري الذي قام بتبسيط مفهوم المدينة الإبداعية بأنها “المدينة التي تُبيّن لنا من نحن، أين نتواجد، من أين أتينا، وإلى أين نحن ذاهبون”.

وتتميز المدن الإبداعية بوجود صناعات تقليدية وفنون شعبية ورقمية، والتصميم وفن الطهي، والأدب والموسيقى، وكل هذه المقومات عادة توجد في معظم مدن العالم، ولكن ما يميز المدن الإبداعية أن لها شخصية تميزها عن غيرها، فمثلاً لو تحدثنا عن شخصية مكة المكرمة سيتبادر لدينا مباشرة خصوصية الحرم المكي، ولو تحدثنا عن باريس لقفز إلى أذهاننا العطور وبرج إيفل وقوس النصر، ولو تحدثنا عن سويسرا للمعت في أذهاننا صورة الساعات السويسرية والشوكولاتة، ومن هنا تكرّس المدينة الإبداعية وجودها عن طريق شخصيتها الثقافية، إلى هذا المفهوم بذل صديقنا الدكتور سعيد العمودي جهوداً متفردة لنشر مفهوم المدن الإبداعية عبر دراساته البحثية للدكتوراه، والتي خصصها عن مكة المكرمة التي يراها أحد أفضل 100 مدينة في العالم مؤهلة لتكون الأفضل، وذلك بالإنجازات الفردية عالمياً التي تتميز بها مكة المكرمة وقد فصَّلها في رسالة الدكتوراه والتي ننتظر من الجهات المعنية تبنّيها وإبرازها إعلامياً لتكون مكة المكرمة في مكانها المستحق بين مدن العالم.

والحقيقة أن بلادنا ثرية في تراثها وفي مقوماتها، ولكل منطقة شخصية تميزها عن غيرها، لذلك من الواجب أن نركز على معالجة أخطاء البنية التحتية، لنتفرغ لاستغلال مقومات المدن والمحافظات لتكون رافداً اقتصادياً قوياً، ومنبراً ثقافياً ونسيجاً اجتماعياً يتفاعل مع محيطه فيتفاعل وينتج في مدنه التي تكفل له العيش الرغيد وتحسين جودة الحياة، وتجعل الإنسان صديقاً لمدينته ومنتمياً لتراثها وإرثها، وتكون هناك مجالات حضارية وتنموية مستدامة.

والطائف (مدينة الورد وحاضنة سوق عكاظ) مدينة تاريخية مرشحة وبقوة لتكون من أهم مدن العالم الإبداعية، شريطة تحسين بنيتها التحتية حتى لا تغرق آمالنا وطموحاتنا في شبر ميه.