حب الظهور والانتشار ظاهرة طبيعية في الوسط الاجتماعي الذي يمارس فيه الافراد مختلف انشطتهم، يسعون من خلاله إلى تحقيق اهدافهم ذات الطابع المهني تحديداً، إلا أنه عندما يتحول إلى شغف يضرب بالمبادئ والقيم التي ترتكز عليها جودة الانتشار فذلك يعني أن مصير ذلك الانتشار سيؤول إلى زوبعات قصيرة المدى وسرعان ما سيتلاشى أثرها؛ لاسيما في مجال التدريب الذي يعد أحد اهم أعمدة التنمية المستدامة ولا يمكن بنائه الا على أسس متينة قوامها الذات البشرية المتمكنة.

فرصة التدريب الافتراضي التي اتاحتها الجهات المختصة بالتطوير المهني والتنمية البشرية بشكل أوسع خلال الفترة الراهنة لجائحة فيروس كورونا المستجدCOVID-19 لم تكن عبثاً، بل هي خطة علاجية لإدارة الأزمة الطارئة بما يحقق متطلبات استمرارية الحياة العملية والتكيف الاجتماعي مع الأزمات، ولاشك أن نوعية مدخلات التدريب عامل بالغ الأهمية للحصول على مخرجات ذات جودة أعلى، وقد وقف على ذلك نخبة من خبراء التنمية البشرية والتطوير المهني المهتمين بالتدريب النشط ومخرجاته في جميع حالاته، ووضعوا لتلك الفرصة معايير وضوابط يمكن من خلالها أن تصل العملية التدريبية إلى مرحلة التميز في الأداء التدريبي رغم الطابع الافتراضي الذي احتل مكان الطابع الواقعي لنظام التدريب الكلاسيكي؛

وفي ذلك أصدر خبير الأنظمة المهنية للتدريب PTSU د. عبدالكريم البرناوي عبر منصة اتحاد الأنظمة المهنية للتدريب (معايير التدريب عن بعد) والتي تمحورت حول جودة الأداء التدريبي عن بعد في جميع مراحله والكفيلة بتحقيق الانتشار المأمول لجميع عناصر العملية التدريبية دون أي هدر في المصالح المشتركة؛ الا أن ما يحدث على أرض الواقع حول التدريب الافتراضي جعل من تلك الفرصة تحدي تقاومه ذات الجهات المختصة التي اتاحته للحد من عشوائيته وانحرافه؛ فشغف الانتشار الذي تمركزت حوله عناصر العملية التدريبية حجب الرؤية المستقبلية لغايات التدريب وسبل تحقيق اهدافه.

علماً أن سبل نجاح الأهداف وصناعة المستقبل هي أحد المعارف والمهارات التي يعكف عليها المدربون لإكسابها المشاركون وتغيير اتجاهاتهم نحو الأفضل.

يقول خبير التنمية البشرية ستيفين كوفي “أفضل طريقاً لتتنبأ بمستقبلك، أن تصنعه” ؛ وجاء كذلك في كتابه “العادات السبع للناس الأكثر فعالية” الذي يتمحور حول الاعتماد على الذات وتنميتها، أن اكتساب العادات وترسيخها يتطلب المرور بثلاث مراحل تبدأ بمرحلة الاعتمادية على الآخرين وتنتهي بمرحلة الاعتماد المتبادل مروراً بمرحلة الاستقلالية وتحمل المسؤولية.

وذلك ما سعت اليه المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لتقديم التدريب بأنماط واشكال مختلفة لمواكبة أوجه التطور المتسارعة دون اشتراطه بظروف طارئة انطلاقاً من التدريب المباشر والتدريب الافتراضي ووصولاً الى التدريب الذاتي الذي يضمن جودة الذات أولاً في ضوء الرقابة الذاتية باستقلالية بحتة ومزيد من تحمل المسؤولية.

مسك الختام:
التدريب الافتراضي وشغف الانتشار مدلولان لا يتقاطعان في المعنى لكنهما يلتقيان في الهدف، فجودة التدريب الافتراضي تصنع الانتشار المستدام لبناء مستقبل متكامل الابعاد، من خلال الاعتماد المتبادل وتكاتف الجهود مع الخبراء والجهات ذات العلاقة التي تضمن انتشار عناصر العملية التدريبية انتشاراً كيفياً مستداماً يعكس تطورها الحضاري، في زمن استثنائي “لا يقنع بما دون النجوم”.