يُعلل المختصون في مجال علم النفس بأن معظم المشاكل التي يتعرض لها الإنسان وما ينجم عنها من اسقام وأمراض ومهلكات هي من ناتج تفكيره الخاطئ الذي ينشأ في الغالب الأعم من نقص في الوعي والادراك والمعرفة الكافية بنواحي الحياة الضرورية والهامة.

وهذا ما بينه ابن القيم الجوزية أحد علماء القرن السادس الهجري يرحمه الله حين قال في هذا الصدد ( ليس للآدمي أعز من نفسه وقد عجبت ممن يُخاطر بها ويُعرضها للهلاك مُعتبراً ابن القيم قلة العقل وسوء النظر أو قصره هو السبب الحقيقي وراء كل مخاطرة وهلاك ) فمشكلة السمنة وعسر الهضم وتصلب الشرايين وما تفضي إليه من مشاكل قلبية مثلاً والتي يشكوا منها كثير من الناس ما هي في حقيقتها إلا من ناتج تناول الطعام وبما يحتوي عليه من دهنيات بكثرة أو النوم عقب تناوله مباشرة أو إدخال الطعام على الطعام وقلة الحركة بشكل عام وهو ما نبهنا إليه ديننا الإسلامي الحنيف حفاظاً على صحتنا وسلامتنا من الأمراض.

كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( بحسب امرئ لقيمات يقمن بها صلبه فإن كان ولابد فثلثاً لطعامه وثلثاً لشرابه وثلثاً للنفس) أما أولئك الذين يشكون من أمراض مزمنة في شعبهم الهوائية فمرده دونما ريب شرب الدخان والإدمان عليه وينسحب ذلك على الذين يتناولون مواداً مُسكرة أو مُخدرة والتي من أتونها يفقدون عقولهم ويتصرفون كالبهيمة التي تتحرك دونما تفكير وتمارس سلوكيات غير لائقة يستحي الإنسان العاقل من فعلها أمام الناس ناهيكم عن التخريب والتدمير والقتل والهلاك المحقق لمُدمنيها في نهاية الأمر.

وهناك الكثير من مثل هذه السلوكيات الخاطئة والسيئة كأن يتلفظ شخص على آخر بكلمات بذيئة أو جارحة تقود إلى وقوع خصام فيما بينهما لا يحمد عقباه أو يتسرع زوج من ناتج غضبه أو انفعاله في تطليق زوجته ولأتفه الأسباب فيكون سبباً في هدم أسرته وضياع أبنائه أو أن يتخذ مسئولاً قراراً متعجلاً بحق موظف لديه فيتسبسب في حرمانه من عمله ولربما ظلمه فيما نكاد نجزم بأن بعض الآباء في بيوتهم والمعلمون في مدارسهم إذا ما اتخذوا المبررات الخادعة أو الأقنعة الكاذبة في تعاملهم مع أبنائهم الطلاب.

فأن هذا التصرف الخاطئ سرعان ما يترّسخ في أذهانهم مما يجعل تحقيق ما يُراد لهم من تربية صادقة وعلم نافع مستقبلاً أمراً صعب المنال وينطبق ذلك على بعض الشباب الذين يقودون سياراتهم بسرعة فائقة أو جنونية من مبدأ الشجاعة والرجولة كما يعتقدون حتى إذا ما انحرفت سياراتهم أو انقلبت بهم هلكوا في حينه أو باتوا رهيني الإعاقة وليس المسرفين أو المبذرين ببعيدين عنهم وقتما يصرفون أموالهم دونما حساب بدافع المباهاة أو التقليد والمحاكاة فيكون ذلك وبالاً عليهم إذا ما استمروا على هذا الحال عدا ما في هذا النهج غير السوي من مخالفة صريحة لأمر الله القائل في كتابه العزيز﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ فالتفكير الخاطئ إذاً غالباً ما تكون نتائجه وخيمة.

ولهذا ما أحري بالإنسان أن يفكر ملياً وعن حكمة وبعد نظر وجلد فيما يرغب تحقيقه قبل الاقدام عليه أو تنفيذه فالحياة محفوفة بالمخاطر وسط عالم يعج بالمتغيرات والتحديات العصرية غير المسبوقة وعلى كل من يجهل أمراً من أمور حياته الخاصة أو العامة أن يسأل أو يشاور ممن أعطاه الله بسطة في العلم وقوة في البصيرة والتفكير السليم مصداقاً لقوله تعالى ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وقوله تعالى أيضاً ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ من أجل المحافظة على النفس وصونها من كل فساد وضرر وهلاك .