الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الأولين والأخرين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكي التسليم، وبعد:

فقد جاءت النصوص بتفضيل بعض الأمكنة كالشام، وذم بعضها كنجد قرن الشيطان (نجد العراق). كما صحت الآثار بمدح بعض القبائل وذم بعضها والدعاء عليهم.

وحصل من أهل الزيغ والبدع والزندقة إنزالُ حديث (نجد قرن الشيطان) على نجد الحجاز (نجد اليمامة) من أجل صد الناس عن الدعوة الإصلاحية السلفية التي قامت بنجد وسط جزيرة العرب، وهو الأمر الذي دفعني لكتابة هذه المقالة، فأقول وبالله التوفيق:

وقعت أحداث التاريخ كما جاءت بها الأخبار، ابتدأت بالردة التي أمكن الله تعالى من أهلها بثبات أبي بكر رضي الله عنه والصحابة، وتم التغلب عليها. ثم جاءت الفتوح، فاتجه الفاتحون من الصحابة والتابعين إلى الشام، فكسروا قرن الروم، ونشروا الإسلام، ثم كان به خلق كثير من العلماء والمجاهدين أمثال: نور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي.

ولما ظهرت فتنة خلق القرآن في العراق ثبّت الله تعالى الإمام أحمد بن حنبل، فكان المجدد لهذا الدين، والواقف في وجه هذه الفتنة.

وفي المرحلة الثالثة وبعد أن كاد أن يضيع الحق وتندرس حقائق الإسلام بين ركام أهل الفلسفة والكلام والجهمية والمعتزلة والقدرية والرافضة والأشعرية والنصيرية والصوفية… الخ، في تلك الحال كان أهل الشام هم ردء الإسلام وحصنه بقيادة ابن تيمية رحمه الله وتلامذته الجهابذة أمثال ابن القيم وابن كثير والذهبي وابن مفلح وغيرهم كثير، فقد جاهدوا بالقلم والسيف رحمهم الله وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.

وأما النصوص التي تناولت العراق نصاً أو بالإشارة الحسية، فقد تحققت دلالاتها، فخرج فيهم المعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة والنصيرية، وفُتن أهل السُّنة بها فِتَناً عظاماً. ومن تلك الأدلة ما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر النبي r: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان»([1]).

قال ابن حجر رحمه الله: «قال الخطابي رحمه الله: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة»([2]).

وروى أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مكتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا وبارك لنا في صاعنا ومدِّنا. فقال رجل يا رسول الله وفي عراقنا ؟ فأعرض عنه فقال: فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان»([3]).

وصحّ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «رأيت رسول الله r يشير بيده يؤم العراق: ها إنَّ الفتنة ها هنا، ها إنَّ الفتنه ها هنا، ثلاث مرات من حيث يطلع قرن الشيطان»([4]).

في ردِّ شافٍ وافٍ للشيخ عبدالرحمن بن حسن على من احتج بحدث نجد قرن الشيطان أكّد رحمه الله أن «الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت

[1]) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 7094.

[2]) فتح الباري 13/47.

[3]) أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/133. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/305: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

[4]) أخرجه أحمد في مسنده برقم 6302 وصححه الألباني.

في ذم نجد كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا…» قيل أنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق، والعراق شرق المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره  جملة من علماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجري في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها ، ومقتل الحسينt ، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد أدعى النبوة … وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.

وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل، وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس»([1]).

ثم قال رحمه الله: «فلو ذُم نجد بمسيلمة بعد زواله، وزوال من يصدقه، لذم اليمن بخروج الأسود العنسي ودعواه النبوة …. وما ضرَّ المدينة سكني اليهود بها، وقد صارت مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،ومعقل الإسلام ، وما ذمت مكة بتكذيب أهلها لرسول الله r، وشدة عداوتهم له، بل هي أحب أرض الله إليه…» ([2]).

ويقرر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث قال: «إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: وأشار إلى العراق»([3])؟

وتقدم كلام الخطابي في تحديد نجد. وكذا الداوودي الذي قال: «إن نجداً من ناحية العراق»([4])، ويشهد له حديث سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله r يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا» وأومأ بيده نحو المشرق «من حيث يطلع قرنا الشيطان»([5]).

[1])

[2]) عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف: دعاوي المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد، ص185.

[3])

[4]) فتح الباري 13/47.

[5]) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 50 – (2905).

فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي r فسَّر المراد بالإشارة الحسيّة، وقد جاء صريحاً في ” المعجم الكبير ” للطبراني النص على أنها العراق . وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد ….  ).

ألا يجدر بناء بعد ذلك أن نجزم أن قرن الشيطان هي نجد العراق وليست نجد اليمامة؟

وبهذا يكون ردا قاطعا على أعداء الدعوة الإصلاحية، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.