في ليلة من ليالي (الحظر الكلي) عانيت من آلام فظيعة من إثر القُرحة، مما أضطرني الذهاب إلى المستشفى على مضض وتوجس وخوف.

ولكني كنت مجبرة ….

من أن وصلت، حتى أستقبلتني مُمرضة عند بوابة المستشفى تسألني بالعربية المكسرة قائلة:
فيه سكونة مدام؟
فيه رشه مدام؟
فيه وجع راس؟
أنت فيه سفر بره قبل ١٤ يوم؟

فأجبتها على جميع الأسئلة وانا اكافح الألم..

وطمأنتها أنني لست آتية بسبب معاناتي من أعراض فايروس COVID_19…

في غضون دقائق حولتني إلى الطوارئ، وأستقبلني الفريق الطبي أفضل إستقبال، وأجروا فحوصاتهم الروتينية، ونصحوني بالذهاب إلى غرفة الإنتظار حتى يُنادى اسمي لمقابلة طبيب الطوارئ…

وما لبثت في الانتظار حتى دخلت إمرأة، أفشت السلام، وما إن جلست على كرسي الإنتظار حتى أنهالت بسؤال لكل امرأة بغرفة الإنتظار:
وش ترجعين؟
من بيت مَن؟

فكدت أن أبكي بعد أن تحملت عناء الذهاب للمستشفى رغم القيود ورغم خوفي من الفايروس القاتل..

فبدأت في الحديث مع نفسي سرًا حتى يحين دوري للإجابة وتسائلت هل هناك فعلاً أناس لازالوا بهذه العقلية القادمة من العصور الغابرة؟

نحن بمستشفى، وفي قسم الطوارئ، ولا يجمعنا سوى أن جميعنا يؤرقنا ألمٍ ما!

هل أنا مضطرة حقاً للإجابة عن هذه الأسئلة الغبية؟

من أين لها هذه الطاقة كي تسأل هكذا سؤال؟
مالهدف منه؟
هل ستروق لها من كانت ترجع من نفس أصلها؟
في حالة كانت إحدى المريضات ليس قبيلية، يا تُرى كيف ستكون ردة فعلها؟

وتساءلت أيضاً رغم أننا نعيش ٢٠٢٠م؟ وتحت راية وطن واحدة، وعَلم يجمعنا بكلمة التوحيد؟
إلا ما زال هناك أناس يبحثون في الحسب والنسب؟
ويسألون عن الأصول؟
ومن أي منطقة؟

توالت أسئلتها على كل النسوة اللاتي بغرفة الانتظار، حتى اقترب دوري!

وهنا أخذت قراري بأن ألقنها درساً رغم أني منذ أشهر لم أقدم محاضرات فقررت أن أختصر الإجابة وأعبر خلالها عن غضبي.

فطرأ على بالي حوار قديم مع زميل مقرب جداً (كاتب ساخر) كان يرد بأسلوب بارد وساخر في آن واحد.

فلما تهيأت السيدة المحققة لتسألني:
وش ترجعين؟
كان ردي لها : (أرجع ريوس) .

فلم تفهم معنى كلامي وبادرتني بقولها (ونعم)

فازداد غضبي عندما أردفت قائلة (من بيت مَن) ؟
فأجبتها من (بيت الدونات)

فقالت أيضاً (ونعم)
حتى استفاقت على ضحكات الحاضرات وهي تتلفت بشكل مريب كالبلهاء.

وفجأة عم الصمت وخفت الآمي عندما نادت الممرضة بإسمي حتى شعرت أن القرحة هدأت من نفسها عندما فرغت طاقة غضبي…

ودخلت على الطبيب وأخذت دوائي وعندما خرجت سمعتها مرة أخرى تسأل بعض النساء الجدد…. وش ترجعين؟ ومن بيت من؟

فسارعت إلى الباب واتصلت بسائقي وأنا لا أكاد أرى طريقي..

وركبت للسيارة وقلت بلهجة حازمة للسائق:
(خذني بعيداً من هنا)

يا إلهي ماهذا الذي يحدث؟

إلى متى والمتطفلين يقتحمون حياتك وخصوصيتك والآمك بأسئلتهم المقززة…

كم تمنيت أن أصبر على ألمي الجسدي وأجنب نفسي الاحتكاك مع هذه المخلوقات الطفيلية….

(للعلم)

هذه ليست قصة من وحي الخيال وإنما هي واقع نراه يومياً حتى في مجالس العزاء….

إلى متى؟؟؟