بالأمس نشر أحدهم في تويتر صورة لكتاب يتحدث عن ماركيز وعن روايته مئة عام من العزلة، ولشدة عشقي للكتب وأي معلومة فيها سألته مباشرة ما اسم هذا الكتاب الذي تحدث عن ماركيز؟ فقال لي هي رواية مئة عام من العزلة بترجمة العلماني، فشكرته لأني حسبت أن المترجم حين ترجم هذه الرواية ذكر فيها بعضاً من سيرة ماركيز وبعض أخبار وأسرار كتابته لهذه الرواية.. إلا أني تفاجأت أن أحدهم علق قائلاً أنت كاتب مؤلف ولا تعرف هذه الرواية؟! إذاً سلم على مؤلفاتك!

أزعجني كثيراً هذا الاتهام الباطل جزافاً وعدم استفساره حتى عن مقصدي في سؤالي عن اسم الكتاب.. فالحق – ولا أدعي المثالية – أني خرجت عن حلمي ونزعت صبري وردت رداً قاسياً قلمّا أرد بمثله، ونمت منزعجاً ببن فكين فك اتهامه الباطل وسخريته من جهة وفك إفساد أدبي بتأدبيه من جهة أخرى.. ولما صحوت كانت نار تلك الإساءة باقية متوقدة في صدري وفتحت صفحتي على تويتر لألقى أن ردي عليه ما زاده إلا رداً وسخرية.. حينها تنبهت أن هناك رسالة من شخص لا أعرفه وصلت إلي بريدي وكان ما فيها “أنك لو رديت بإحسانك على إساءته لأدبته أكثر من أن تنزل لمستواه وتقدح فيه وأننا لو ردينا على كلمة جارحة بمثلها لعشنا حينها بين الوحل”

وكأن تلك الرسالة العميقة من ذلك الشخص الذي لا أعرفه ولا يعرفني كانت إلهاماً لي من السماء بأن أكبر دماغي وأريح عقلي وأصفي قلبي وأطفئ تلك النار التي أضرمت في صدري.. فعلقت على رده واتهامه بأن تأسفت واعتذرت عما بدر مني من رد قاسٍ وتمنيت له يوماً طيباً، فماهي إلا دقائق ويعلق متمنياً لي طول العمر وأن ما حدث بيننا أمر بسيط لا يستحق الذكر..!

فتأملوا كيف كان الإحسان أكثر تأديباً لي وله وكيف أن تلك الرسالة أفاقت غفلتي من أن الانتقام للذات لن يتعب إلا الذأت والنفس، وأن الإعراض والرد بالحسنى أعظم أثراً وأجدى نفعاً.. فلا تتصور أنك تعيش في مجتمع ملائكي فستجد حتماً من حولك الصالح والطالح والمحسن والمسيئ وهذه سنة الحياة، واعلم أن وسام حسن الخلق لا يتأتى إلا بالصبر على هذه المواقف والتحمل على تلك الإساءات.. وتذكر أنك لن تمنع إساءات البعض من أن تدور حولك لكنك على الأقل تستطيع منعها من أن تعشعش فوق رأسك.

أخيراً تأمل ما قاله محمود شاكر في كتابه أباطيل وأسمار “وأني منذ خفت الله لم أطوِ قلباً على مخافة أحد من عباده ولم ترعني كلمة أوصف بها سوى الشرك بالله، وكل صفة تقال وتذم عني بعد ذلك فمصيرها عندي مثل ما قال زياد في خطبته البتراء (أن اجعلها دبر أذني وتحت قدمي) إلا أن أكون مبطلاً في قول وفعل فإني حينها أعود صاغراً للحق”