ضجّت المجالس وقنوات التواصل الاجتماعي بالأحاديث والتغريدات حول احداث جائحة فيروس كورونا المستجدCOVID-19 ؛ وكأنها أول جائحة تعترض البشرية بالرغم من تعدد الجوائح والأوبة على مدى التاريخ البشري؛ ولعل من أشهرها جائحة الأنفلونزا الأسبانية التي انتشرت في اعقاب الحرب العالمية الأولى 1918م أوائل القرن العشرين مخلفة حوالي مئة مليون وفاة في جميع قارات العالم، وغيرها كثير من الجوائح التي أبادت مظاهر البيئة والحياة؛ ورغم ذلك احتلت جائحة كورونا ما احتلت من ذعر العالم وقلقه من هذا الوباء؛ لماذا يا ترى؟

هل كان قلقاً من الموت الذي يوقنون بأنه ليس لكورونا عليه سبيلا، أم هو مقاومة للقدَر الذي اصطدمت به طموحاتهم ومساراتهم الاستراتيجية على حين غفلة؟
فالكثير من الناس في العصر الحالي يسيرون نحو المستقبل في مسارات رأسية دون مبالاة بالمسارات الأفقية التي قد تزيد من فرص تحقيق أهدافهم وطموحاتهم؛ منغمسين في أحلام اليقظة، تجرفهم تيارات الأفكار المعاصرة بلا وعي أو عبرة بالتجارب السابقة، حتى توقظهم المواقف الطارئة.

وفي تصوري ربما تعود تلك الصراعات الفكرية التي غشت البشرية أمام جائحة فيروس كورونا المستجدCOVID-19 إلى نمط الفترة الزمنية التي حلت فيها هذه الجائحة، فنحن نعيش في حنايا الربع الأول من القرن الواحد والعشرين الذي اتسم بالديناميكية والتغيرات الحياتية المتسارعة، والتنافسية العالمية، والتحول الرقمي الذي يسابق الزمن، ولم تعد البشرية فيه متهيأة إلا لسباقات الاستدامة؛ مترقبين النتائج من أبراج عاجية لا تكشف لهم الصورة الحقيقية لمسارات السباق.

كشفت لنا مدرسة كورونا أن ما تعلمناه من المدارس السابقة لم يعد كافي للاستدامة، فلايزال هناك مزيد من الدروس نحتاج الى طلبها واتقانها بالوعي والممارسة والمماثلة المجتمعية، ايضاً مزيد من اللغات الثانوية التي تتمحور في لغة العصر المتجددة، فعندما حل الاختبار الطارئ، حلت معه لحظة الارتباك الذي أخل باتزان التوقعات الحضارية؛ واتضحت لغة جديدة لا يمكن ترجمتها بسهولة، لغة منطقية واقعية محددة لا تقبل أكثر من معنى أو ترجمات افتراضية، هي لغة “الوعي الكامل” بضرورة التكامل الفكري والمعرفي والمهاري للوصول الى نقطة الهدف.

انقلابات الأحوال ومفاجآت الأحداث في الحياة أجراس انذار لمن لا وعي لديه بحقيقة عالم متسارع لا يقف لمتأمل ولا يعود لمتأخر؛ ها هي الصين كانت على بعد خطوات من تصدر عرش الاقتصاد العالمي، ولكن ماذا بعد كورونا؟

العالم مزيج من فرص وتحديات في صورة غامضة لا تتضح رؤيتها إلا بالوعي الكامل؛ وما يحدث في زمن كورونا 2020م أو بالأصح في مدرسة كورونا التاريخية التي لم تتجاوز بضعة أشهر من الزمن حتى الآن، هو أن قوانينها ألزمت الناس بالتجرد من الأقنعة المُضلّلة للحقائق، والنزول من ابراجهم العاجية الى أرض الواقع، فتجلت لهم الصورة الحقيقية للعالم بكل شفافية، والتي اسفرت عن واقع شبه مجهول بالنسبة لهم، استوقف تفكيرهم وأطلق فضولهم، وبدأت نواقيس الحجر تضج في ميادينهم الفكرية، كيف؟ لماذا؟ والى أين ستنتهي بنا مدرسة كورونا؟

مسك الختام:
ستُغلق ابواب مدرسة كورونا في القريب العاجل بإذن الله وتُفتح أبواب مدارس العلم والمعرفة، وتُصبح مدرسة كورونا تاريخ؛ لكن التاريخ لا يحكي لنا احداث المستقبل هو فقط يرسم مسارات افتراضية تزيد من فرص نجاحاتنا لبناء مستقبل متكامل الابعاد، “التاريخ قاعدة التقدم ومن لا يتقدم يتقادم”.