بريقه لا تخطئه العيون ، والناجحون يتتبعهم الناس بإعجاب ويستسلمون لكاريزما شخصياتهم الجذابة ، ولا يزال الإنسان مهووساً بالنجاح وعالمه العجيب ، ومن هنا تنشط الدورات التدريبية والكتب التي تداعب مشاعر البسطاء وتجعل النجاح أقرب إليهم من شراك نعلهم ولكنه أبعد من ذلك في حقيقة الأمر إذا فهمنا الأمر بشكل خاطئ ، ولذلك تستمر رحلة المطاردة خلف النجاح والأمر ـ في نظري ـ أبسط من ذلك بكثير ، فالنجاح لا يعني الشهرة بأي حال من الأحوال ، ولا يعني الغنى الفاحش والأموال ، ولا يعني الشهادات العليا أبداً ، ألم أقل لكم إنه أبسط من ذلك بكثير ؟ إذاً ماذا يعني ؟
وطبعاً الشهرة ووفرة المال والشهادات والعلاقات الجيدة قد تكون من علامات النجاح بلا شك ، ولكن النجاح ليس محصوراً في الشهرة فحسب ، وليس كل مشهور هو ناجح بالضرورة ، فهذا هتلر النازي الألماني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس مات منتحراً ، ولم يحقق هدفه في السيطرة على العالم وهُزم في كثير من الحروب ، ولو كان الغنى هو النجاح لما سمعنا بحوادث القتل والانتحار لهؤلاء الأغنياء الذين فشلوا في تحقيق التوازن في جوانب الحياة الأخرى كالأسرة والدين والعاطفة وغيرها ، وكم من حاملين للشهادات العليا لا يختلفون كثيراً عن الحمار الذي يحمل أسفاراً ، فالعلم دون عمل كالعمل دون علم. فالشهادات ليست هي النجاح ، على أهميتها وتقديرنا لحملتها الذي رعوها حق رعايتها .
إذاً ما هو النجاح ؟ وهل أنا شخص ناجح؟ وكيف أكون ناجحاً؟
ببساطة من يستطيع الموازنة بين ضروريات أربع في الحياة فهو شخص ناجح أياً كانت مهنته وأياً كانت طبقته الاجتماعية ، والأربعة هي (الروح والعقل والجسد والجانب الاجتماعي) ، وما أجمل قول الرسول (ﷺ) “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا” ، باختصار هذا هو النجاح الذي ينشده كل إنسان كحد أدني للحياة الآمنة المطمئنة ، وعدا ذلك هو طموح يستطيع الإنسان تحقيقه بالتخطيط الجيد لتحقيق الهدف ، وبتنظيم الوقت والالتزام والمثابرة والصبر وبتسخير العلم والمعرفة له ، وتغذية الروح هي الأساس في تحقيق كل هدف بعدها ، والعقل يتغذى بالعلم والمعرفة والمهارات ، والجسد هو مطية الإنسان ولا بد أن يكون سليماً (العقل السليم في الجسم السليم)، أما الجانب الاجتماعي فلا شك أنه ينعكس على الشخص ومدى نجاحه في الحياة فالذكاء العاطفي في أبسط صوره هو حياة أسرية وعملية واجتماعية تبادلية آمنة ، تحقق الإشباع العاطفي والرحمة والمودة ، وكل ناجح في هذه الحياة عندما يختل عنده أحد هذه الضروريات الأربع فهو ليس ناجحاً حتى وإن بدا لكم غير ذلك . فالنجاح هو الموازنة بين هذه الأشياء بحيث لا يطغى جانب على آخر .
ومن خلال تتبعي للناجحين على مدى سنوات طويلة ، وكذلك بقراءة عشرات الكتب التي تتحدث عن النجاح وتقود إليه فإنني وجدت صفاتاً مشتركة بين الناجحين ، أولها أن يكون له هدف واضح في الحياة يؤمن به ويسعى لتحقيقه ويقاتل من أجله ، ويعينه على اتخاذ قراراته فيما بعد سواء كان هذا الهدف تجارة أو علم أو نشر فضيلة أو غير ذلك ، وسأكتفي هنا بعرض أمثلة من سيرة سيد الناجحين رسولنا العظيم (ﷺ) الذي قاتل من أجل تحقيق هدفه وهو نشر الإسلام حتى حينما كلفه ذلك معاداة أقرب الناس إليه والتضحية من أجل مهمته وهدفه ومشروعه في الحياة ، ويجب كذلك أن يكون مضيك نحو تحقيق هدفك كله شغف وبدافع داخلي قوي لا يتزعزع ، فكل الناجحين على مر التاريخ كان لديهم مبررات قوية للتراجع عن تحقيق أهدافهم ولكنهم مضوا وثابروا وصبروا بعزم حتى تحقق لهم ما يريدون بمداومة وبدون استسلام أو تراجع ، ومن هنا تبرز فضيلة الصبر التي حض عليها الإسلام ، ومن العجب أن الصبر ورد في القرآن الكريم (103) مرة ، وذكر الصبر في (45) سورة في القرآن بمعدل 40% من سور القرآن الكريم البالغة (114) سورة ، والناجحون يتغلبون بصبرهم على المعوقات والصعوبات التي تعترض طريقهم فطريق النجاح ليس مفروشاً بالورود كما يقال ، ومن السمات المشتركة عند الناجحين الكتمان والسرية (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ، والتفاؤل والإيجابية أيضاً ومعرفة حدود قدراتك وبث الطاقة الإيجابية لمن حولك ، فالمتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة ، وفي غزوة الخندق في ظل ضعف المسلمين كان قائدهم الفذ رسول الله (ﷺ) يبشرهم بالنصر على الروم وكسرى في الوقت الذي كان الصحابة يحاولون تحطيم صخرةً عصية تعترض طريقهم ، ولكي تنجح في تحقيق مبتغاك من دنياك تسلح بالعلم والمعرفة ، ولا نقصد بذلك الشهادات فقط ، ولكن نقصد المعرفة والتجربة والخبرة وتقليد من هم قبلك في مجالك الذي تعمل فيه ، حتى تصل إلى درجة الإتقان في الشيء الذي تجيده ، فلو افترضنا أن ثمة راعٍ للغنم يريد النجاح فعليه محاكاة وتقليد من قبله أو الاستماع لنصائح سيده وهذا كل شيء ببساطة ، وربما اشتهر الناجح في علم معين أو فن من الفنون نتيجة هذا الإتقان والعلم فالشهرة من صفات الناجحين ولكنها ليست هي النجاح كما أسلفنا ، والوقت أيضاً مهم جداً في معادلة النجاح ، فالتخطيط مرتبط به والإنجاز كذلك والمرونة واختيار البدائل التي تعين على استمرار العمل وعدم توقف الإنسان عن المضي نحو ما يريد كلها أمور يتحكم بها الوقت ، ومن خلال متابعتي لسيرة كثير من الناجحين على اختلاف أديانهم ومشاربهم وجدتهم يشتركون في كونهم قدوة حسنة لأتباعهم ، وكل منهم لديه وجه خيري آخر في شخصيته وهذا ما يجعل لهم قبول عند أتباعهم ، ومن أهم السمات البارزة في الناجحين هي تجاهل أعداء النجاح والمثبطين الذين يتزايدون بمقدار ما تحققه من نجاح ، وفي المقابل يحظى الناجح بوجود داعمين وحلفاء ومحبين وهؤلاء هم سلاحه القوي في معركة الحياة ، وكان رسولنا الأعظم (ﷺ) يحظى بمحبة ودعم زوجته الرائعة السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) ، ثم بدعم صاحبه الحميم أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) وغيره من الأبناء ومن الصحابة رضوان الله عليهم ، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه ونجاحه يتوقف على إخلاص ودعم هؤلاء المحبين والتفافهم حوله ، والتوازن صفة مهمة للناجحين فلا يطغى هم على هم كما يقال ، وفي الحديث الشريف “إن لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه” ، ومن الصفات التي لاحظتها في الناجحين هي ميلهم للخلوة والتأمل والتفكر والتدبر ، فالاعتكاف في الإسلام مظهر جميل للانقطاع للمناجاة والتأمل والعبادة ، وكان الرسول (ﷺ) يختلي في غار حراء الليالي ذوات العدد ، وما من نبي إلا ورعى الغنم وهذا فيه خلوة مع النفس تعين على التفكر ، وكان العلماء يتخذون مكاناً منعزلاً عن الناس يتيح لهم تأليف كتبهم والتأمل في واقعهم ، وهذا منهج علمي أيدته الدراسات الحديثة التي تؤكد على أهمية جلسات التأمل والخلوة الصامتة ، بل وتفضلها على النوم العميق وترى مفعولها الإيجابي أكبر منه .
وقد لخص براين تريسي (وهو محاضر وكاتب ومؤلف على مدى 25 عاماً) علامات النجاح في كتابة (قواعد النجاح) وهي الصحة الجيدة والعلاقات السعيدة والاستقرار المالي ووضوح الهدف والشعور بالأمان وراحة البال والعقل السليم والوعي الذاتي (فهم النفس والثقة).
فلا يلزم الأمر شهرةً ولا غنىً ولا أكثر من ذلك ولا أقل ، ألم أقل لكم الأمر أبسط من ذلك ؟
تستطيع الآن أن تقيم نفسك ، هل أنت إنسان ناجح أم لا ؟