اعلم يا أيها المسلم الكريم، وأيتها المسلمة الكريمة: مُذ قضى الله تعالى على أبينا آدم وزوجه عليهما السلام، وبعد تلكم المعصية، ثم نزولهم من الجنة إلى الأرض، أن إبليس لا يزال يدبر المكائد، ويترصد المصائب، والنكبات لبني البشر؛ ليوقعهم في حبال ليل مظلم حالك من كل جانب.

على المسلم أن يبتعدَ، وأن ينأى عن كلِّ ما يوقع النفس البشرية في ظلمات المعاصي والشهوات، إذ النفس مجبولة على اتباع ما تريد، وعلى المسلم مخالفة هواه وطبيعته البشرية، وعليه أن يكابد ويجاهد نفسه، وأن يعلم متى زلَّت قدمُه في الوقوع في شراك المعاصي مرَّة، أو مرَّتين، أو ثلاث، أو أكثر من ذلك، أن يعود إلى ربه، فالله تواب رحيم، يغفر الذنب، ويقبل التوبة، والله يحب التوابين، وعلينا أن نتعاهد هذه النفس بين الحين والحين، وأن نجاهدها على الطاعة، وترك المعصية، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، فعلينا تصحيح الأخطاء التي نقع فيها، حنى لا يسري داء الغفلة إلى القلب، ولنتذكر: أن ابن آدم خَطَّاء، وأنه ليس معصومًا عن الزلَّات كالأنبياء والمرسلين، فإن أخطأ فعليه أن يبادر بالإنابة والرجوع إلى ربه.

ونحن في أيام شهر مبارك، وفي ليال لها فضل عظيم، فهي خير ليالي العام على الإطلاق، فعلينا أن نتدارك ما بقي من هذا الشهر الفضيل، وأن نستغل أوقاتنا في العشر الأواخر منه، وعلى المرء العاقل أن ينأى بنفسه عن كل ما يشغله في هذه العشر المباركة، وأن يحاسب نفسه على تقصيرها، وأن يجدد عزيمته بعيدًا عن التهاون والفتور في طاعته لربه.

فالجدَّ الجدَّ! والهمَّةَ الهمَّةَ! فلعلنا ندرك فضل ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ومن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه.
ومن حُرِمَها فقد حُرِم خيرًا كثيرًا.