حاصرته الأفكار من كل جانب، سكنته الوحدة حين أراد الإنتفاض، سكن أبها فلفضته سريعاً كما لفظه السائرون إلى الجنة، التحم مع البعض ليبرز فكرته فقط فجن جنونهم وعزلوه، هرم وشاخ فلم يُعر اهتماماً سوى من بيته القابع في أقصى المدينة الساخنة.

أراد أن يسمح لعينيه الملحدة كما (يُوصم) بأن يشاهد السخافات في بدايات الأطباق الفضائية فاصطدم مع المتشددين وعلى رأسهم قاضي المدينة ولكنه أذهلهم بلباقته وأقنعهم فانهمر وازرافات ووحدانا على محلات الصحون المذهلة حينها يأخذون بلا وعي.

هو لا يُؤذي أحداً ولايتدخل في شؤون الأخرين مجرد كائن بشري وحيد في مسكنه قد تمر عليه شهور لايرى مشاركيه من البشر ليس لعدم تقبله بل هو موسوعة في الإلمام بكل شيئ يخص الحياة تحليلاً وتمحيصاً وحكمةً ولكنه اختارأن يكون بعيدا .

بدأ مشوار حياته طفلاً تتلقفه سفوح قريته غداة وعشياً وكأنه خلق مع الأغنام حين يسرحون وحين يعودون،عقله الصغير يكبر وينتشي مع الحياة كأي مسالم مفطور على الإسلام وسماحته، يصلي ويصوم ويشكر الله لخلقه إياه لينعم بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، يردد مع أباه الآذان بإيمان فطري لاتشوبه شائبة، يُمني النفس أن يسير مع الركبان إلى مكه ليسعد برؤية الكعبة ويؤدي الفريضة ولكن صغر سنه وقلت حيلته لم تسعفه، عندما يتسامر الكبار يتداخل معهم ليقنعهم أو يقنعوه يذهلهم كثيراً عندما يتحدث ليتها مسوبينهم بإنه الفتي الذهبي للمرحلة، صغيرات القرية يحلمون به فارساً لخلقه وذكائه ونباهته، ولكن هاجس القادم يوقضه من غفوته المرحه ليرتمي في أحضان كيف ولماذا وهل فيسمح لطيشه أحياناً بالمرور في المسلمات وتكديرها بمساعدة الشيطان طبعاً ولكنه يتراجع ليرتمي في أقرب فراش لأمه ليستريح.

إلى أن جاء دور الوظيفة لتحتضنه ( الرياض) وتبتسم له قائلةً تعال فأنت من سيسمح للبلد بالذهاب الى البعيد عسكرياً ضابطاً فاهماً وعالماً، عاش وعمل بإخلاص لبلده وأمته وكينونته، يصطف القادة أمامه ليعلمهم معنى الوطنية والفداء والرقي، لايجد متسع من الوقت ليبرم صدقات مع المتأملين والمعجبين والوجهاء وأهل الدنيا لكنه عندما يريد أن يلهج ويتأمل نوماًما تراوده نفحات أفكار القرية وتساؤلاتها الكونية الغير فطرية.

وهل يعقل أن أكون أنا المصيب الوحيد وقومي جميعاً هم المخطئين إلى أن يُبرم عهداً مع الصواب والنوم بإنه سيصادقهما ولن يكرر جنونه.

إلى أن جاءت البشائر له ولعقله المنفتح على الجديد والحضارة إنها (أمريكا) دورة عسكرية تنطلي تحتها الآمال والأحلام وشيئاً من تيه الإنسان ومرحه، لا يسبقه أحد في تحصيله وانظباطه وعقله، أراد القدرحينها أن يفعل فعلته بل وقاصمته بهذا المثابر الفذ فعاد من بلاد الحضارة وفي جعبته ورأسه شهادة وتغيير شامل في فطرته ودينه وحياته.

جهته تفخر به وبما عاد به من تعليم عالي وفاخر وهو يسايرهم فيما يقولون بحذر علّ الأيام تكشف لهم وله مايمكن أن تكشف وحينها يعلن بكل قوة وضعف! عن تكسيره لكل قاعدة عقديه تعلمها اورددها هو وأباه يوماًما بكل إيمان باالله الواحد الأعظم، اعتلى قمة المدربين والمعلمين للضباط ليس هذا فحسب فقد سبق أن تخصص في الفقه المقارن وعرف كل شيئ عنه! ليجادل بدراية!

انتشر في المكان مايرومه ويصرح به هذا المفكرالقائدالكافر! وأنه لا محالة لن يتوقف عن جنونه وسيسيطر على أفكار الجميع وسيوقعهم في المحظور ،وبعد سنين حائرات من الصبرله وعليه ناصحه كبير المفتين ولكنه اصطدم بخارق في الفلسفة والفكر والعلم فقرر بأنه لايجب أن يبقى عليه أن يرحل بعدته وعتاده إلى حيث لا يختلط بالأسوياء المفطورين.

وهكذا أجبر هذا الكهل على البقاء وحيداً عازباً بإرادته، إلى هذه اللحظة لازال ذلك الرجل يبرح قناعاته ويضحك بتعب كل من يمر به مصادفةً أو مزاوره، فهل من منقذ من الطاهرين الناصحين ينتشله من تعاسته دنيا وآخرة ألم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يقبل توبة العبد مالم يُغرغر).