منذ سنواتِ طِوال ونحنُ كمشاهدين نرى ونسمع مسلسلاتِ واعمالِ فنية تتهكم على بعض المناطق أو الفئات الاجتماعية تحت عنوان الفن رسالة والنقد وسيلة للتصحيح والفنان يسلط الضوء على المجتمع وقضاياه ومشكلاته ، ذلك العنوان تجاوز الحد المسموح له فقد استغله دخلاء الفن ولحق بهم فنانين قدامى بحثاً عن شهرةِ زائدة أو ضحكةِ عابرة أو شيء ما في نفس يعقوب!

التهكم على قبائل أو عوائل أو مناطق بإسم الفن سيزرع بالعقل صورة نمطية مغلوطة وسينقل للمجتمعات تلك الصورة وتُصبح الصورة الذهنية عبارة عن سماجة سوقها فنان لم يتقيد بشرف المهنة والموهبة، على سبيل المثال في المسلسلات المصرية تم تصوير المواطن المصري الصعيدي على أنه شهم كريم لكنه غبي فتناقلت المجتمعات العربية تلك الصورة عن ذلك المواطن النبيل الذي كان له دورُ بطولي في جلاء الاحتلال عن بلاده ، أيضاً المسلسلات اللبنانية صورت الفتاة اللبنانية على أنها بائعة هوى وخائنة لبيت الزوجية فاخذت تلك الصورة تطغى ووصلت لمرحلةِ خطيرة قد تصبح في يومِ من الأيام تهمه تتناقلها الأجيال العربية، مع احترامنا لمصر ولبنان شعباً وثقافة إلا أن الفن كان هو المتسبب في تمرير وتسويق وزراعة تلك الصورة النمطية، المتابع للدراما العربية ولبقية صنوف الفنون المرئي يجدها تقدم صنوف من السذاجة والعربدة والتهكمات التي لا تخدم الفن ورسالته ولا تقدم إلا صورة قبيحة عن المجتمعات وتُملي فراغات بالنص عجز الممثل أو الكاتب عنها.

الفن رسالة ووسيلة نبيلة إذا كان من يقوم عليها مؤمن بقدراته ومؤمن بأهمية الفن ورسالته العظيمة، لا يختلف إثنان على أن ناصر القصبي فنان عظيم لكنه في الآونة الأخيرة بدأ يستخدم التهكم في أعماله وهذا يدعونا إلى التساؤل هل العلة في ناصر أم في الكاتب أم فيهما معاً.

المجتمع رقيب يحلل و يتابع و ينتقد وهذا حقه ولا يستطيع الفن أن يتنفس إلا في بيئةِ فكرية صحيةِ خالية من الرقابة الرسمية لكن إذا تجاوزت الأعمال الحد المعقول وأخرجت للعلن صوراً مغلوطة عن مناطق أو سكان منطقةِ ما فيجب أن يكون للرقابة دورُ في إيقاف تلك المهزلة التي تنال بشكلِ غير مباشر من الوطن ووحدته وعزيمة أبناءه.

اذا آراد شخصُ ما التعرف على ثقافة مجتمعِ ما فإنه سيبدأ بالبحث عن تاريخ ذلك الشعب وثقافته وأول شيء يبدأ به هو متابعة الأعمال الدرامية لذلك المجتمع ليكون صورة عنه، نحن بحاجة لفنِ ذو هدف ينتقد و يُقدم التسلية بلا تجريح بأحد يُحلق بالمشاهد عالياً فالفن وسيلة وغاية نبيلة لا يدركها من دخل ذلك المجال بحثاً عن الاضواء والشهرة.