أمي أعذريني بقدر أيماني أن الموت حق أستبعد موعده عمن أحب فكيف بروح من أنجبتني وباب الى الجنة رحلت بأمان الله الى رحمه الله في سبات عميق أغمضت مع عيناها ألامها وأوجاعها وأعلنت راحتك الأبدية ابتسامه مريحة ملأت محياك .

كُنت أدعو الله في قيامي الليله الماضية ككل الليالي بأن يطيل الله في عمرك أمي ويمدك بالصحة التامة والمعافاة الكاملة وأن تستفيقي كم نحن متلهفون لسماع صوتك أأه ولو كلمة تخرج من شفاتك تطفئ لهيب الحنين وانكسار الروح .. فأذا بي أعرف صباحًا أنك رحلتي كنت أرتب صدقاتي ودعواتي لعلي أدفع بها شيئا عما أذاكِ لم أكن أعلم أن الله أختارك الى جواره فجاءت أرادته وتوقف القلب الطيب .

لم أستوعب حد الفجيعة وقطعت ثوبي بيدي وصرخات عاليه ليست هي هناك بالتأكيد خطًا بالاسم قد تكون أخرى وأردد وعدتني بالأ تتركنا وعلى السرير البارد رأيتها والغطاء الأبيض عليها ضربتها على قلبها عدة مرات أصحي باللهي عليك أمي حبيبتي باللهي عليك أفيقي وعيناها كغزال نصف مفتوحه ما كانت تسمعني وصوت يقول مبتسمة والوجه نور ويردد وجوه مستبشرة وانهمر دمعي على ثوب أمي كالمطر وجمدت الصورة أمامي ولم أرى أحدًا حولي سوى أنا وهي وكأني بحلم مزعج أتمنى أن أصحو منه .. وأذا بي ألمس بيد أخي تشدني لم أعي بنفسي سوى أني أخذت أحضنها بقوه عجزوا أن يحملوني فقدت القدرة على الحركة وحينها لم أكن أنا كانت تعود كل تلك الذكريات ووجه أمي مشحونة بألم ذاك الألم الذي يعتصر الأفئدة ويتركك طريحا عاجزًا مشلولًا إنه وجع انفصال بعضك عن بعضك .

وجاءت لحظة الحق والفراق بثغر باسم ووجه يشع نورا وإشعاعا كعروس بالأبيض تسابق فرحه لقاء الخالق الباري وتوارت تحت الثـرى تحققت أمنيتك أمي أن تلقى ربك في مدينتك بين أهلك وزوجك أولادك وأحفادك الذين حملوك على الأكف في رحلتك الأخيرة انقطع ذلك الحبل السري الذي يسميه الشعراء بين الأم والأرض لأشعر لحظتها بأن شئ ما انتزع من قلبي وأحدث فراغًا داخلي ما زالا يلازمني وسيبقى إلى يوم لقائك يا حبيبتي .

عدنا الى الدار متوحشة الحزن مرتدية ثياب الحداد لف البرد جدرانها فقدت الروح برحيلك تفاصيلك في كل مكان حجرتك سريرك فراشك مشطك سجادتك مبخرتك وعطرك ينثر المكان أنين الصمت وجع الفراق أشيائك الجميلة والكنبة التى تجلسين عليها وتناقشي أمرنا مع أبي تقلقين وتحاتي حتى بعد أن كبرنا رائحتك في الأرجاء تبعث الألم للأحياء اختفت الحنونه من جوارنا ومازلنا ننظر إلى زوايا الدار أبحث عن صورتك التى تمنح الطمأنينة تظل تستقبل الداخل وتودع الخارج بخوف واستيداع وقد خلت الكنبة اليوم .. وخنقتنا العبرات وشلتنا الذكريات واعتصرتنا الآلام وتمنينا أن تعود لساعات لكي نبكي على صدرها وننوح ونسألها أن تغفر لنا وتسامحنا .. راحت الحبيبه وعيونها عالقه بالبيت وبنا ودموعها علينا لا على حالها ولم تقل وداعا لنسأل أنفسنا هل سامحتنا من عاشت العمر من أجلنا .

تمضي الأيام وأتذكر أن أمي كانت تضحك عندما تريد البكاء تتظاهر بالفرح حين يداهمها الحزن كي نمضي بلا ألم كم من ألم داست عليه كي تحمينا كم من حياة تخلّت عنها كي تعطينا كم من دموع ذرفتها وهي وحيدة كم من لوم مجحف ظالم تحمّلته كي تبقينا كم من حنان منحتنا ولم نسقها كالوطن يعطي ويعطي ويعطي دون أن ينتظر المقابل وكانت دعوتها ربي امتني قبلهم هذه هي صورة أمي كما انحفرت على لوحة الذاكرة.

نعم سيدة الدار هجرت الدار سكن اليتم وخيم الحزن اللهم لا أعتراض على حكمك ولكن غلبني الشوق كثيرا ولم أعد أحتمل ألا تعلمون ” الروح المعلقة ) قطع الحبل السري مجازا لكنه لم ينقطع من قلوبنا وقلوب من أحبك وعرفك ألسنتنا تهج بالدعاء والترحم عليك يا حبيبتي يا سيدة الخُلق كما كان يناديك أحباؤك ومعارفك صفاتك وأخلاقك لا تحصى ولا تعد تركتي بعدك سيرة عطره وعماد الدار وأخوة وأخوات أفاخر بهم الدنيا فأهنئ أمي فكل ما زرعته خيراً يبقى خيرًا .

اللهم أرحم أمي وأغفر لها ووسع قبرها وآنس وحشتها واجمعني بها في الفردوس واجعلها سيدة من سيدات أهل الجنة .