ازدادت الأمراض المنقولة بالغذاء على مر السنين، فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن واحد من كل 10 أشخاص تقريباً في العالم يعانون من المرض بعد تناول الغذاء الملوث و420 ألف يموتون كل عام. كما أشارت المنظمة الى أن حوالي 1.8 مليون شخص لقوا حتفهم بسبب أمراض الإسهال في عام 2005، ويرجع ذلك أساسا إلى تناول الأغذية ومياه الشرب الملوثة. مما أثر سلبا على الصحة العامة والرفاهية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

حدث العدوى والتسممات الغذائية نتيجة لاستهلاك الغذاء الملوث بالمركبات الكيميائية او بالكائنات الحية الدقيقة أو سمومها، بالإضافة للتلوث الناجم عن الممارسات الخاطئة في التعامل مع الأغذية كطرق حفظ الغذاء في ظروف غير مناسبة، أو التسبب في وقوع التلوث الخلطي بين الأغذية المختلفة أو الأدوات المستخدمة في التحضير، أو حتى من متداولي الأغذية أنفسهم، سواءً كانوا حاملين للكائنات الحية الدقيقة في الانف وعلى الجلد بشكل طبيعي أو كانوا يعانون من أعراض الإصابة بميكروبات ممرضة وتعد هذه الفئة أشد خطورة.

توفر الممارسات غير الصحية أثناء إعداد وتداول وتخزين الطعام ظروفاً بيئية مناسبة لتكاثر وانتشار الكائنات المسببة للأمراض مثل البكتيريا والفيروسات وغيرها من مسببات الأمراض التي تنقلها الأغذية. وقد يكون انخفاض الوعي في التعامل مع الغذاء بجميع صوره وعلى طول السلسلة الغذائية أحد الأسباب الرئيسية لوجود مثل هذه الممارسات.

قامت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية European Food Safety Authority بنشر أحدث النتائج التي توصلت إليها من استطلاع للرأي “اليوروباروميتر” Eurobarometer حول سلامة الأغذية في دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة الى خمس دول أخرى خارج الاتحاد. يمكن تعريف يوروباروميتر على انه سلسلة من الدراسات الاستقصائية تُجرى بانتظام لتوفير تقارير للرأي العام حول بعض المسائل المتعلقة بدول الاتحاد الأوروبي. ركز هذا الاستطلاع على عدة مواضيع، مثل الاهتمام بسلامة الغذاء ومستوى الوعي وإدراك المخاطر بالإضافة إلى قياس مدى الثقة في مصادر المعلومات المختلفة.
قامت شركة Kantarللأبحاث بتنفيذ هذه الدراسة الاستقصائية على فترتين عام 2019م، فخلال الفترة الأولى تمت مقابلة 27،655 شخص من مختلف الفئات الاجتماعية والديموغرافية وجهاً لوجه في منازلهم بلغتهم الأم في 28 دولة من دول الاتحاد الأوروبي. وخلال الفترة الثانية، جُمعت البيانات من خمس دول (ألبانيا والجبل الأسود وصربيا وشمال مقدونيا وتركيا).
بينت نتائج الاستقصاء أن اهم العوامل التي يركز عليها الأوربيين عند شراء المواد الغذائية هي مصدر الغذاء (53 %)، السعر (51 %)، سلامة الغذاء (50 %) والمذاق (49 %). أما محتوى المواد الغذائية من المغذيات كان أقل قليلاً (44 %)، بينما احتلت القيم والمعتقدات (كرعاية الحيوان أو الاهتمامات البيئية أو الدين) المرتبة الاقل (19 %).

في 12 من 28 دولة، تم تحديد السعر في معظم الأحيان من بين العوامل التي تؤثر على اختيار الغذاء. كما عبر (%41) أنهم “مهتمون شخصياً بموضوع سلامة الأغذية”. أما عند الإجابة عن مصدر المعلومات، فيُعد التلفزيون المصدر الأكثر شيوعًا للمعلومات حول التوعية بمخاطر الغذاء بأكثر من الثلثين (69 %)، تلا ذلك الإنترنت (باستثناء وسائل التواصل الاجتماعي) (46 %)، والصحف والمجلات (38 %) والأسرة والأصدقاء والجيران (37 %). غيَّر ثلثا الأوروبيين سلوكهم الاستهلاكي بنسبة (%66) على وجه التحديد، نصفهم قاموا بإجراء تغيير دائم والنصف الاخر كان تغيير سلوكهم لفترة من الوقت. ويعتقد أكثر من ثلث المشاركين (36 %) أن “معلومات سلامة الأغذية غالبًا ما تكون متخصصة ومعقدة جداً”.

ما أن واحد من كل خمسة أوروبيين ذكرو أن سلامة الغذاء هي شاغلهم الرئيسي عند اختيار الغذاء. بينما أفادت نسبة صغيرة (5 %) بأن السلامة لا تهمهم، وظنهم بأن أجسامهم قادرة على تحمل مخاطر سلامة الأغذية. أبدى (44 %) قلقهم بشأن بقايا المضادات الحيوية أو الهرمونات أو الستيرويد في اللحوم، تلتها بقايا المبيدات في الأغذية (39 %)، ثم الملوثات البيئية في الأسماك واللحوم ومنتجات الألبان (37 %)، والمواد المضافة مثل الألوان والمواد الحافظة أو المنكهات المستخدمة في الطعام أو المشروبات (36 %).

عند سؤالهم عن العاملين في مجال سلامة الغذاء، أجاب الأوروبيون بأنهم يثقون بالعلماء (82 %) ومنظمات المستهلكين (79 %) للحصول على معلومات عن المخاطر المتعلقة بالأغذية، يليهم المزارعون (69 %)، والسلطات الوطنية (60 %)، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي (58 %) والمنظمات غير الحكومية (56 %) والصحفيون (50 %). اظهر الاستطلاع ان مؤشر المستوى العام للوعي بموضوعات سلامة الأغذية في دول الاتحاد الأوربي يتجاوز النصف (55 %) ويتمتعون بمستوى عالٍ من الوعي (لأنهم سمعوا عن 8 على الأقل من 15 موضوعًا مدرجًا في القائمة).

لكن عند مقارنة نتائج دول الاتحاد الأوروبي بالدول الخمس خارج الاتحاد، فقد أظهرت الدول الخمس اهتماماً أقل بسلامة الأغذية حيث شكل الاهتمام في أدني مستواه بين الدول الخمس (18 ٪) فقط في ألبانيا بينما أجاب المستهلكين، في المتوسط، في الاتحاد الأوروبي (41 ٪) بأن لديهم اهتمامات في سلامة الأغذية. في المواضيع المتعلقة بملوثات البيئة في الأسماك واللحوم ومنتجات الألبان، اجاب المستهلكون في تركيا، والجبل الأسود، وألبانيا بمستوى وعي أقل بكثير من تلك الموجودة في دول الاتحاد الأوروبي (64٪ في الاتحاد الأوروبي و25٪ في تركيا والجبل الأسود، 11٪ في ألبانيا) اما الحساسية تجاه الاغذية أو المشروبات فكانت (65 ٪ في الاتحاد الأوروبي، 24 ٪ في تركيا، 26 ٪ في الجبل الأسود، و9 ٪ في ألبانيا). كما كشفت الدراسة الاستقصائية أن 41٪ من المستهلكين في ألبانيا مهتمون بتحرير الجينوم في الغذاء، مقارنة بـ 4٪ فقط من المستهلكين الاتحاد الأوروبي. تُظهر المقارنة تفاوت واضح في مستوى الوعي بسلامة الغذاء بين الدول داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، وقد يعزى هذا الاختلاف الى التطور الكبير في أنظمة سلامة الغذاء داخل الاتحاد الأوروبي.

يعتبر المستهلكين في أي بلد أحد الشركاء المهمين لجميع الجهات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بسلامة الغذاء على حدٍ سواء، ومن هنا تأتي أهمية مثل هذه الدراسات التي تُبرز الواقع الحقيقي لطرق تفكير وسلوكيات المستهلكين والتعرف على المفاهيم التي يحملونها حول سلامة الغذاء بشكل دوري وبالتالي تساهم في رسم بعض السياسات المستقبلية المتعلقة بالأنظمة والرقابة والتوعية، وكذلك تشجيع وتعزيز المفاهيم الصحيحة أو تصحيح المفاهيم الخاطئة منها لدى المستهلك وقياس نجاعة الجهود المبذولة مع مرور الزمن.

بتوفر هذه البيانات والمعلومات يمكن السعي لتعزيز مستوى الوعي بسلامة الغذاء بين مستهلكي ومتداولي الغذاء في أي مجتمع. لذلك، اعتقد أن هناك حاجة للنظر بطريقة شمولية لمفهوم سلامة الغذاء على طول السلسلة الغذائية “من المزرعة الى المائدة” وعدم إغفال أي عنصر ضمنها. فهناك جهات تقع عليها مسؤولية عمل الدراسات الاستطلاعية والاستقصائية الضرورية والمخصصة لفئات محددة من المجتمع مثل الجامعات والمراكز البحثية وغيرها من الجهات المهتمة او على المستوى الوطني من خلال الجهات الوطنية المعنية بسلامة الغذاء لقدرتها على الوصول لعدد أكبر من المستهلكين.