تقول الحكمة الصينية الخالدة في صراع الصخر والماء بمرور الوقت ينتصر الماء دائماً ، هكذا هي العلاقات الإنسانية بين الشعوب ،تنحاز للحقيقة وللتعايش السلمي ولحوارالحضارات رغم تعدد الأعراق والمذاهب وصراعاتها التي لا تنتهي .

كانت بلاد الصين من أقدم الحضارات في العالم واللغة الصينية أقدم اللغات المكتوبة في التاريخ ، والآن ( ١ ) من كل( ٦ ) أشخاص في العالم يتحدثون اللغة الصينية ، والحضارة الصينية ضاربة في أعماق التاريخ بحوالي 5000 آلاف عام تلوح في الأفق البعيد لقوافل التجارالعرب والمسلمين عبر درب الحرير ، الذي أصبح كالحبل السري يحمل معه نبض الحياة للشعوب المحبة للسلام ، ونقطة التقاء تتجاوز اللقاء ،تحمل معها ثقافات تمتزج وتنسجم مغلبةً مصلحتها العامة على عنف الاختلاف ، واختلاف العنف . ظل هذا الدرب الحريري رافداً من روافد المد الأخلاقي الإسلامي والذي نتج عنه هذا اليوم وجود ١٢٠ مليون مسلم في الصين معظمهم من السنة والجماعة ، يتعايشون بشكل سلمي في بلد تسجل أرقام البشر فيه ١،٣ مليار نسمة يشكلون أكبر جيش في العالم وسيكون الأقوى في العام ٢٠٢٠

التقارب الصيني السعودي في الآونة الأخيرة تجاوز حدود السياسة والاقتصاد إلى أبعاد إنسانية توارثها المسلمون في جزيرة العرب عبرمقولة أدبية خالدة :اطلبوا العلم ولو في الصين .

التنين الصيني (أو مصنع العالم كما يحلو للاقتصاديين تسمية الصين) لم يعد بعيداً الآن حتى تضرب فيه الأمثال الأدبية ، فحكمة البلدين تقتضي علاقات تبادلية على مختلف الأصعدة بين البلدين ، فالصين ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد أمريكا ، وحجم التبادل الاقتصادي بين البلدين بلغ ٦٠ مليار دولار ، وكانت المملكة محقة في التوجه إلى الصين كبديل إستراتيجي قادم بقوة وشموخ يرعب المنافسين في العالم على كافة الأصعدة .

والمتأمل للواقع الصيني حالياً يرفع قبعته احتراماً لهذا البلد الرائع الذي يتعامل مع الأزمات على مختلف أنواعها باحترافية عالية وحكمة متناهية تتوارثها الأجيال الصينية وكأنها أرث شرعي صنع في الصين فقط ، وأزمة فيروس كورونا كفيلة بتدمير التركيبة السكانية والنفسية والبنية الاقتصادية والطبية في أي بلد في العالم ، وثمة بلاد كثيرة في العالم كانت تترنح على قمة السيادة والمجد وهاهي اليوم تترنح أمام فيروس صغير يدمر كل شيئ بإذن ربه .

قبل أيام نشرت صحيفة الفاينانشال تايمز مقالا كتبه، غيديون راكمان، تناول فيه كيفية تعامل الصين مع انتشار فيروس كورونا، وكيف أنها تسعى لاستغلال النجاح الذي حققته في محاصرة الفيروس لتسجل انتصارا سياسيا وإعلاميا على الولايات المتحدة وأوروبا.

يقول غيديون إن فيروس كورونا كان في بداية انتشاره دعاية سلبية للحكومة الصينية، ولكن اليوم وقد بدأ عدد الحالات الجديدة يتناقص بحدةفي الصين ويتزايد في الولايات المتحدة وأوروبا، فقد قلبت بكين الصورة.

وسيتعزز الاعتقاد عند المزيد من الناس عبر العالم بأن الصين في صعود وأن الغرب لا شك في أفول. كما أن المدافعين عن الاستبدادوالمناوئين للديمقراطية سيجدون من يستمع إلى خطابهم في الصين وفي بلاد الغرب.

الحكمة الصينية باتت كالماء الذي يفتت الصخر وتورق الحياة على ضفافه ؛ فالماء ينتصر دائماً.