تتميز بلادنا بتنوع جغرافي وفني عظيم فالفنون تختلف من منطقةِ إلى أخرى في تنوعِ فريد قل أن نجد مثله في دول العالم، تُعرف الأمم بتاريخها وبفنونها وإنجازاتها الحضارية والمعرفية، ولولا الموشحات الأندلسية ما كان للعربي في العصر الحديث أن يعلم أن بتلك الأرض كان هناك دولةِ أسسها العرب بعدما دخلوها فاتحين كما يقول لنا التاريخ الذي لا يكتبه إلا المُنتصر، وليست الموشحات فحسب بل فنون الأدب العربي كالنثر والمعلقات قدمت لنا تاريخ أمةِ مجهولة لولا تميزها في ذلك النوع من الأدب ما عرفتها البشرية وهذا يقودنا إلى حقيقة لولا الفنون ما كُنا لنعرف تاريخ مجتمعاتِ عاشت وبادت في مشارق الأرض و مغاربها.
بعد حلمِ طويل أصبح لدينا وزارة للثقافة وهيئاتِ تشرف وتنظم وتدعم مختلف الفنون والمناشط و التي تُمثل في الأساس هوية المجتمع وتشكلها فالفن والثقافة عبارة عن هوية المجتمع فإذا آراد شخصُ ما التعرف على بلدِ أو مجتمع فإن أول شيء يراوده هو الإطلاع على فنون وثقافة ذلك البلد أو المجتمع.
تلك الوزارة الوليدة أمامها ملفاتِ كثيرة ومشاريع ينتظرها المجتمع السعودي المتعطش للفنون الخائف على تراثه وفنونه الأدائية والحركية المتنوعة، الفن السعودي الراقي سواء الفن الغنائي أو الدرامي الخ عانى في فتراتِ سابقة من سطوة الخطاب الديني فظاهرة الصحوة وقفت ضد الفن وحشرته في زاويةِ ضيقة على الرغم من أن الفن لا يؤذي أحداً، سلوك الصحوة في محاربتها للفن نابعُ من عقيدةِ أيديولوجية ومع ذلك تنفس المجتمع الفن ببطء لأن المجتمع يُريد ذلك، الحقبة الماضية أصابت الفن بمختلف الأمراض لعل من أبرزها الرتابة والتكرار في الأفكار و دخول الدخلاء بقوةِ وغياب الصحافة النقدية الفنية وهجرة الفن السعودي إلى الخارج كأعمالِ وشخصيات ومؤسسات إنتاج الخ، المجتمعات الحية لا تقف عند الماضي كثيراً بل تنطلق نحو المستقبل والمجتمع السعودي خرج من عنق الزجاجة وبدأ يُحلق عالياً على الرغم من تراكمات الصحوة المثقله لكاهله، لن يترك المجتمع الفنون لأنها وببساطة منه وإليه ولكي يعود الفن السعودي لمكانته فيجب تشجيع المواهب وإعادة بث الروح في الجسد الفني وذلك لا يكون إلا بتنظيم الفعاليات وتشجيع المواهب وإدخال الفنون المختلفة بمناهج التعليم وتشجيع الفن المهاجر على العودة لحضن الوطن خصوصاً مؤسسات الإنتاج والشخصيات والأعمال الفنية التي باتت تعرض في الخارج، في تاريخنا الفني أسماء لامعة وفنون رائعة لم تطمرها كثبان التشدد رغم قسوتها فمن حقها علينا فتح النوافذ لتحلق بالأرواح عالياً فلا يمكن للعقول أن ترتقي وأرواحها مسكونة بالخوف ولا سبيل لتبديد ذلك الخوف إلا بالفن فهو مصل التخلف وترياق التطرف والعلاج الناجع لشتى الأمراض التي يعاني منها مجتمع ما بعد الصحوة .